لا صوت يعلو فوق صوت السلطة!

نشر في 18-07-2013
آخر تحديث 18-07-2013 | 00:01
الشمالي كان هو الأكثر صراحة، سواء أكان يدري أم لا، في ظل هذا التواطؤ الغريب على القبول بهذا الواقع المهين، هذا الواقع الذي صار البعض يبرره بأنه «دستوري» و«شرعي»، ولا سبيل لمواجهته ومراجعته إلا من تحت قبة عبدالله السالم، وهي القبة ذاتها التي اختطفتها السلطة واشترت جل مقاعدها سلفاً!
 د. ساجد العبدلي حينما قال مصطفى الشمالي "لا صوت يعلو فوق صوت الحكومة"، فإنه لم يكذب... نعم لم يكذب مهما ثارت ثائرتنا "الإنشائية" ومهما صحنا وقلنا وتحدثنا وكتبنا وغردنا... الرجل كان صريحاً جداً، صريحاً كصراحة صفعة على الوجه، صريحاً كصراحة درجات الحرارة هذه الأيام، خمسون درجةٍ سيليزيةٍ وأكثر، مهما حاول مقياس الحرارة الحكومي المعلق على ذلك المبنى البليد الشاخص عند كتف الطريق الدائري الخامس أن يتحايل علينا ويتجمل!

الشمالي، رغم فجاجته، كان صريحاً ومباشراً، ونحن في المقابل من استعذبوا خداع أنفسهم طوال سنواتٍ طويلة بحكايات الديمقراطية والرقابة والمشاركة الشعبية والبرلمان المنتخب وغيرها، وبالطبع فالرجل، سواء أكان يدرك ذلك أم لا، لا يقصد الحكومة بعينها، أي تلك المؤسسة المكونة من أولئك الموظفين برواتب عالية والذين يطلق عليهم الناس مصطلح الوزراء، فهذه المؤسسة المتهالكة في بلادنا ليس لها في الحقيقة من الأمر من شيء، إنما المقصود "السلطة"، لا صوت يعلو فوق صوت السلطة، رفعت الأقلام وجفت الصحف!

البرلمان، أداة الرقابة والمحاسبة الشعبية المزعومة، أفرغوها من محتواها التشريعي والرقابي من خلال تعديل قانون الانتخابات، بعدما كانت فارغة إلى حدٍ كبيرٍ من الأساس، فصارت اليوم خيال مآتةٍ لا أكثر، بل صارت هيكلاً صرفاً من هياكل التنفيع والتمرير والفساد، ومعولاً من معاول تفريق المجتمع فئوياً وقبلياً وطائفياً وتمزيقه شر ممزق!

مليارات الدنانير تهدر سنوياً وتبعثر شمالاً وجنوباً بجرة قلم من يد السلطة، بل حتى دون الحاجة إلى جر القلم وتوثيق أي شيء، فمجرد كلمة فاترةٍ لا تكترث لأحد قد أصبحت تكفي لإمضاء أي أمر! ولا أحد، لا من كبراء القوم ولا حكمائهم ولا سياسييهم ولا إعلامييهم ولا غيرهم يمتلك شيئاً غير التذمر الهامس الخجول، ناهيك عن السؤال أو الاعتراض!

دم البلد يمص ليل نهار، وشرايين خيراته ومقدراته تتفجر نهباً وهدراً وفساداً وسوء إدارة، بشكل كارثي لو جرى عُشر معشاره في دولة لها شعب يحترم نفسه لفُتِحت فيها عشرات ملفات التحقيق والمحاسبة، ولما أُغلقت إلا بعد سقوط وتدحرج عشرات الرؤوس الفاسدة والمسيئة.

نعم يا سادتي، الشمالي كان هو الأكثر صراحة، سواء أكان يدري أم لا، في ظل هذا التواطؤ الغريب على القبول بهذا الواقع المهين، هذا الواقع الذي صار البعض يبرره بأنه "دستوري" و"شرعي"، ولا سبيل لمواجهته ومراجعته إلا من تحت قبة عبدالله السالم، وهي القبة ذاتها التي اختطفتها السلطة واشترت جل مقاعدها سلفاً!

ألم أقل لكم بأن الشمالي هو الصريح ونحن المخادعون أو المخدوعون، لا فرق؟

back to top