فوجئ وزير العمل السعودي عادل بن محمد الفقيه بفرقة من المحتسبين، قيل إن عددها بلغ المئتي شخص، داهموا مكتبه كي يحتسبوا عليه، وهذه هي المرة الثانية خلال عشرة أيام، ففي المرة الأولى قيل إن الوزير لم يستقبلهم وخرج من باب الوزارة الخلفي، لكنه، على ما يبدو، قرر في هذه المرة أن يمنحهم وقتاً، وقد استطاع أحد الحضور تصوير وتسجيل جزء من حديث المحتسبين إلى الوزير بكاميرا فيديو هاتفه المحمول، ووضعه على "اليوتيوب"، فسمعنا ما قيل، وإن كان ما سمعناه جزءاً مما قيل.

Ad

القضية التي جاء من أجلها هؤلاء المحتسبون ليست قديمة فالجميع يعرفها، وهي احتجاجهم على قرار وزارة العمل، الذي أُقر منذ عهد الوزير السابق ولم يستطع تنفيذه من شدة الحصار، والذي يسمح للمرأة بالعمل في محلات بيع ملابس النساء الداخلية، والتي نضطر أحياناً لتسميتها بالاسم لمن لا يفهم هذه القضية، فنقول له: "سراويل ومشدات صدرية"، ونقفز على خطوط الحياء حتى يعرف من ليس في وجهه حياء أن الفضيلة والحشمة هي في تمكين النساء من البيع للنساء ملابسهن الداخلية وليس العكس، وهذا ما عجزنا عن فهمه. كيف لا يُغضب "المطاوعة" أن يبيع الرجل لامرأة ثيابها الداخلية عقوداً من الزمن، ثم يتحركون اليوم ويحتجون حين صدر قرار يسمح للمرأة بأن تبيع في هذه المحلات، بل وسموا غضبتهم الجسور احتساباً، راجين من ورائها الأجر والمثوبة!

هذا ليس هو المنطق المعوج الوحيد في هذه القضية، فقد ظهر أحدهم ممسكاً بـ"المايكرفون" وتصدر طاولة الاجتماع، وقال: "إنه هو الذي تسبب في إصابة وزير العمل السابق الدكتور غازي القصيبي - الشاعر والأديب والسفير والوزير المعروف رحمه الله- بمرض السرطان"، وزعم هذا المحتسب أنه "عندما رفض القصيبي مقابلتهم والإذعان لمطالبهم أخذ يدعو عليه عشرين يوماً أن يصيبه الله بالسرطان"، ثم قال: "وقد استجاب الله دعائي ولله الحمد"، ثم استطرد قائلاً: "وعندما نشر القصيبي رسالة توبته إلى الله - القصيبي رحمه الله كتب قصيدة يناجي فيها ربه، لكن المحتسب ظن، على ما يبدو، أنها موجهة إليه- فإنني قلت: لا رفع الله عنك البلاء".

وهكذا فالمحتسبون - كما ذكر المحتسب -  قد دخلوا على الوزير الحالي عادل الفقيه ليحذروه، فإن لم يستجب لهم ويعدل عن قراره فإنهم سيجتمعون ويدعون الله أن يصيبه بالسرطان مثلما أصاب الوزير السابق.

الوزير شرح للمحتسبين مراراً أن كل ما قام به هو أنه رفع عمل المرأة من قارعة الطريق، حيث كانت تجلس على الأرض عقوداً تبيع على "البسطة" فجعلها تبيع في دكاكين آمنة مكرمة، وأن من الغيرة والحشمة أن تبيع المرأة للنساء ملابس خاصة كهذه، وقال لهم: "إن لم يقنعكم هذا الكلام فعليكم باللجوء إلى القنوات الإدارية والشرعية، وتقدموا بشكاوى في هذا الموضوع بدلاً من مقاطعتي عن عملي كل يوم"، لكن المحتسبين لا يفهمون إلا طريق الاحتساب الشخصي الذي يتمثل في تهديد الناس والدعاء عليهم بالسرطان، بل ويرجون منه الجزاء والثواب وهم على ما يبدو لا يحتسبون إلا في ما يخص النساء وثيابهن، والفساد عندهم لا يقع إلا في الملابس وبيعها، وهذا ما حدا بأحدهم أن يختتم عظة الاحتساب الموجهة في حصار الوزير بقوله: "يا عادل يابن حمد يابن فقيه أنت أحد رعاة الفساد".

 ولا أدري بماذا رد عليه الوزير؟ فربما قال له: "صح لسانك".