الخبر المفرح، فعلاً، الذي نشرته بعض الصحف التي تصدر في الغرب وتحديداً في عاصمة الضباب لندن، هو أن المؤتمر الوطني العام (البرلمان) الليبي اتخذ قراراً بالإجماع بمحو اسم "الجماهيرية العظمى" الذي هو أحد اختراعات معمر القذافي، الذي كان نفَّذ انقلاباً عسكرياً ضد الملك الراحل إدريس السنوسي في عام 1969، بعدد قليل من الجنود وبنحو أربع سيارات عسكرية صغيرة بتسليحٍ من بنادق ورشاشات خفيفة، وكل هذا قد جرى وصدر البلاغ رقم "1" بينما كانت هناك في الجوار قاعدة عسكرية أميركية، تعتبر في ذلك الحين من أهم قواعد الولايات المتحدة في الشرق الأوسط كله.

Ad

كان إطلاق اسم: "الجماهيرية العربية الليبية الشعبية الاشتراكية" على ليبيا في عام 1977، ثم أضاف القذافي في عام 1986 بعد الغارة الجوية الأميركية على "العزيزية" في طرابلس كلمة "العظمى" إلى هذا الاسم الطويل، وهذا ما جعل الرئيس المصري الأسبق محمد أنور السادات يتحدث عن هذا، حتى قبل إضافة هذه "الوصلة" الأخيرة، بأسلوب الطرفة "النكتة" ويقول أمام زوَّاره وأمام الإعلام: "الجماهيرية العربية الليبية... وخُذْ نفساً... وكمِّل".

 إنَّ هذه التسمية قد أكدت أنَّ هذا الرجل كان مصاباً بعقدة الدونية، وأنه كان يلجأ إلى كل هذه الطرائف التي لجأ إليها للتغطية على هذه العقدة.

وبالطبع فإن القذافي، الذي اخترع كذبة مقتل ابنته المتبناة في الغارة الآنفة الذكر على "العزيزية" ليستدرج التعاطف الغربي معه، قد أطلق على بريطانيا، التي أخذ وصْف "العظمى" منها، اسم "حاملة الطائرات الأميركية"، على اعتبار أن الطائرات التي نفذت هذه الغارة قد انطلقت من قواعد حلف الأطلسي على الأراضي البريطانية، كما أنه أطلق على رونالد ريغان الذي كان رئيساً للولايات المتحدة في الفترة الثانية من ولايته في ذلك الحين اسم: "كلْب أميركا المسْعور"!

والمعروف أن عقدة الدونية والنقص قد دفعت القذافي أيضاً إلى المزايدة على "ماركس" صاحب نظرية وكتاب "رأس المال" باختراع مضحك آخر وهو "الكتاب الأخضر"، الذي أنفق على ترويجه وعقد مؤتمرات قومية ودولية من أجل الحديث عنه، ربما أكثر مما أنفق على الصحة في "الجماهيرية العربية الليبية الشعبية الاشتراكية... العظمى"، وهذا كان قد حدث فعلاً، فإنه لابد من الإشارة إلى أن "الهَوَس" قد وصل بصاحب "النظرية الثالثة"، على اعتبار أن هناك نظريتين هما الاشتراكية والرأسمالية، إلى استضافة العديد من قادة العالم وكبار المنظِّرين والفلاسفة والمثقفين ليقولوا رأيهم في "الكتاب الأخضر" هذا، وفي "النظرية الثالثة" هذه!

وكان الأستاذ أحمد الشقيري "أبو مازن"، رحمه الله، من بين هؤلاء حيث كان في استقباله في مطار طرابلس الغرب عبدالسلام جلود ومعه عددٌ من قادة "الجماهيرية"، وتمت استضافته في أكبر وأهم فندق في ليبيا كلها، ووُضِعت في الجناح الفاخر الذي خُصص لإقامته وفي كل مكان بارز أعداد من هذا "الكتاب الأخضر"... ثم تُرك ثلاثة أيام، جاء بعدها جلود وسأله عن رأيه في هذا "الكتاب" العظيم... وكان ردّ الشقيري: عن أيِّ كتاب تتحدثون؟... وعندما أشار جلود إلى "الكتاب الأخضر"، قال الشقيري: لقد تصفحته فوجدته يصلح لطلاب الصف السادس الابتدائي.

فتم ترحيل الشقيري على الفور في أول طائرة أقلعت من مطار طرابلس خوفاً على حياته، فقد كان القذافي لا يتردد في تصفية مَن لا يتلاءم مع نزواته، على غرار ما حصل مع الإمام موسى الصدر الذي جاء من لبنان إلى "الجماهيرية" في عام 1978 بدعوة رسمية، لكنه اختفى هناك، ولم يُعرَف ما حدث له فعلاً حتى بعد مرور كل هذه الفترة بعد سقوط صاحب "الكتاب الأخضر" و"النظرية الثالثة" وسقوط جماهيريته.