بعد نحو أسبوع من الآن، سيكون الرئيس مرسي قد أمضى سنة كاملة في حكم مصر؛ وهي فترة، من دون شك، كافية للحكم على قدراته ومهاراته ومدى استيعابه لمهام منصبه الخطير.

Ad

يعبر مصريون كثيرون عن أنهم باتوا يشعرون بـ"الخزي" و"العار" من جراء تصرفات الرئيس وجماعته وطريقة إدارتهما للأمور. الأستاذ محمد حسنين هيكل مثلاً رأى في حوار تلفزيوني، الأسبوع الماضي، أن "مرسي عرى مصر"، وأننا "جعلنا أنفسنا نموذجا للرثاء أمام العالم".

تقول حملة "تمرد" إنها نجحت في جمع 15 مليون توقيع لمصريين يريدون تخلي الرئيس عن الحكم؛ وهي الحملة التي يمكن لأي مراقب أن يلحظ أنها تتمتع بزخم ونجاح واتساع غير مسبوق.

تتواصل التظاهرات والاحتجاجات في كل مكان، ويعصي المصريون أوامر سيادية، ويقطعون الطرقات، بل يرفضون دخول بعض الوزراء والمحافظين الإشكاليين الذين عينهم الرئيس إلى مكاتبهم.

يقول مركز معلومات مجلس الوزراء، وهو جهة حكومية يرأسها قيادي "إخواني" عمل متحدثاً باسم مرسي نفسه، إن 65% من المصريين غير راضين عن الحكومة. ورغم أنه يمكن توجيه التحية لهذا المسؤول "الإخواني" الذي استطاع أن يشير إلى هذا التدني الكبير لشعبية حكومة مرسي؛ فإن كثيرين لن يكونوا قادرين على الاقتناع بأن 35% من المصريين راضون عن أداء الحكومة، وأنا منهم بالطبع، فضلاً عن أن استخدام تعبيري "الرضا" و"عدم الرضا" غير مناسبين في هذا الصدد؛ إذ يتصاعد الاحتقان في نفوس معارضي الرئيس بدرجة أكبر مما يمكن أن توحي به هذه المصطلحات "التقنية المجردة".

الأنكى من ذلك أن عدداً كبيراً من أعضاء التيارات الإسلامية يعارضون الرئيس معارضة علنية. لا تقتصر تلك المعارضة على حزب "النور" السلفي فقط، وهو الحزب الذي بات متهماً من "الإخوان" بأنه انضم إلى "المعارضة العلمانية" بحثاً عن "مصالح شخصية"، ولكن أيضاً هناك معارضة واضحة من تيارات إسلامية أخرى متعددة، بل إن عدداً من أعضاء جماعة "الإخوان"، وحزب "الحرية والعدالة" التابع لها، عبروا عن انتقاداتهم للحكومة وأدائها علناً. سيمكن الدفاع عن مرسي بالطبع بالقول إن البلد يشهد حالة ثورة، وإن مطالب الناس مرتفعة، وإن كثيراً من الحكومات لا تحظى بالرضا المناسب رغم أنها تؤدي جيداً وتنجح في الانتخابات.

سيكون الرد على هذا الكلام سهلاً للغاية؛ لأن الأرقام والبيانات الرسمية، وطوابير الخبز والسولار والبنزين، وتدني سعر العملة، وخسائر البورصة، وانهيار السياحة، وتراجع الاحتياطي النقدي، والغلاء الفاحش في الأسعار، والتردي الكبير في الخدمات كلها عوامل ظاهرة لا يمكن لأحد أن يخفيها أو يغض الطرف عنها.

ليت الأمر يقتصر على تلك الخسائر الموجعة والفادحة والتي تركت المصريين في حال من الشعور باليأس وانسداد الأفق، لكن الكارثة الحقيقية تكمن في الخسائر الاستراتيجية التي صنعها مرسي و"جماعته" أو على الأقل ساهم في تأجيج أثرها أو لم يعمل على تفكيكها وتفاديها.

فخلال سنة من حكم مرسي باتت مصر في أسوأ مكانة إقليمية عرفتها منذ عقود، كما أن رصيدها من الاحترام الدولي آخذ في التناقص باطراد، والأنكى من ذلك أن مصالحها الرئيسة تتضرر ضرراً كبيراً.

ليس مرسي مسؤولاً عن تردي وضع مصر في إفريقيا بالطبع، ولا عن سوء علاقاتها بدول حوض النيل؛ إذ يجب أن تتوجه أصابع الاتهام في ما يتعلق بهذا الأمر إلى حسني مبارك مباشرة، لكن مرسي بالتأكيد يجب أن يحاسب على تبديد فرص إصلاح العلاقات مع دول "الحوض"، وتفادي مخاطر "اتفاقية عنتيبي" وأخيراً البدء في بناء "سد النهضة" الأثيوبي.

دعا الرئيس إلى حوار وطني موسع مع بعض قيادات الأحزاب الموالية لـ"الإخوان" بداعي مناقشة تداعيات بناء "سد النهضة" على الأمن القومي لمصر؛ ولأن المدعوين كانوا بلا خبرة أو دراية أو مسؤولية سياسية، ولأن الرئيس ومساعديه لم يكونوا فطنين بما يكفي لحساسية الموضوع وخطورته، فقد تحول الأمر إلى فضيحة بكل المقاييس؛ إذ تحدث المشاركون عن "حروب نفسية" و"ترديد إشاعات" و"محاولات للعبث في الأمن القومي الأثيوبي" على الهواء مباشرة.

لقد أدى هذا الحوار "السري العلني" إلى أزمة دبلوماسية مع أثيوبيا بلا شك، لكن الأخطر من ذلك أنه شكل فضيحة لمصر والمصريين، أما الأشد خطورة فهو أنه كشف عن مستوى مهارات الرئيس وقدرته على اختيار معاونيه وعن قدرات هؤلاء المعاونين أنفسهم.

مشكلة مياه النيل كشفت بوضوح عن تدني قدرة الرئيس، لكن الأزمة السورية كشفت عن تخبطه وسلوكه السياسي "الانتهازي"؛ إذ جاء الرجل من نقطة "تشكيل لجنة رباعية لبحث حل للأزمة السورية" إلى نقطة "إعلان الجهاد" على "النظام الرافضي"، دون أي حساب لطاقة الدور المصري، ولا لدور مصر في منطقة المشرق العربي، ولا لتبعات "إعلان الجهاد" السياسية واللوجستية، ولا لرد فعل الأطراف المعنية.

من الأخطاء الاستراتيجية الكارثية التي ارتكبها الرئيس أيضاً خلال السنة الأولى من ولايته أنه أخذ بلاده إلى شفا فتنة طائفية وحرب دينية؛ إذ يركز أتباعه ومناصروه اليوم على دعمه في تظاهرات 30 يونيو بوصفه ممثلاً لـ"الإسلام" في مواجهة "العلمانيين والنصارى وأعداء الدين"، ويفتي علماء دين وسياسيون مناصرون له بـ"جواز قتل من يخرج على الرئيس"، كما يحذر آخرون الأقباط لمنعهم من المشاركة في التظاهرات بقولهم: "لا تضحوا بأبنائكم".

تأتي مشكلة سيناء والانفلات الأمني بها واختراقات "حماس" لها على رأس المشكلات الاستراتيجية التي خلفها مرسي أو عززها خلال السنة الأولى من ولايته. لقد تعهد مرسي بمعرفة هوية قاتلي الجنود في رفح، في رمضان الماضي، ومعاقبتهم، لكنه لم يفعل، وعوضا عن ذلك فقد طلب من الجهات الأمنية المحافظة على أرواح الجنود المخطوفين في سيناء قبل أسابيع وأرواح خاطفيهم أيضاً. فإذا أضفنا إلى ذلك أن أحداً لم يعلم هوية الخاطفين حتى الآن، ولم يقدموا إلى المحاكمة بالطبع، لا هم ولا هؤلاء الذين خطفوا أربعة من رجال الشرطة قبل عامين، لعرفنا أن مرسي غير قادر أو غير راغب في الوفاء بعهوده حيال "الانتصار للشرعية ومعاقبة المجرمين في سيناء".

قبل أيام أعلن مرسي حركة محافظين جديدة؛ وهي الحملة التي قوبلت بانتقادات حادة واضحة في أكثر من محافظة، خصوصا أن عدد المحافظين "الإخوان" فيها كبير، لكن أكثر الاختيارات غرابة في تلك الحركة يتعلق بمحافظ الأقصر العتيد؛ فقد اختار مرسي رجلاً ينتمي إلى "الجماعة الإسلامية"، التي أعلنت مسؤوليتها عن مقتل 58 سائحاً في أحد معابد تلك المدينة الأثرية في عام 1997، وعينه محافظاً. لقد أثار قرار تعيين إسلامي جهادي مدان في جرائم إرهابية محافظاً لأهم المحافظات السياحية المصرية انتقادات واستهجاناً ودهشة كبيرة، لكنه آثار أيضاً أسئلة عن مدى رشد القرار وسوية من اتخذه.

يهاجم مرسي وأتباعه بانتظام مؤسسات الدولة الحيوية مثل الجيش والقضاء والأزهر والإعلام، والآن يحاول تطويع الثقافة من خلال تعيين وزير يشن حملات شرسة على رموز الوزارة وقطاع الثقافة بأكمله، وهو الوزير الذي يتفق معظم المثقفين على أنهم "لم يسمعوا اسمه من قبل مطلقا".

وكما يفعل مع المؤسسات الحيوية في الداخل، فإنه يمارس الأمر نفسه إزاء العلاقات التاريخية والحيوية مع الدول المؤثرة في الخارج، ولذلك فقد دخلت مصر أجواء أزمات وتوتر مع الإمارات مثلاً، فضلا عن فتور العلاقات وتراجعها مع كل من الكويت والسعودية بسبب الأداء المزري للرئيس وجماعته.

لقد أنجز مرسي إنجازات "مبهرة" خلال سنة واحدة من ولايته الأولى، وهي إنجازات يمكن أن تُدرس في معاهد السياسة والحكم، باعتبارها جميع ما يجب ألا يفعله رئيس.

* كاتب مصري