مطلع التسعينيات من القرن الماضي التقيته في أستوديو نحاس أثناء تصوير فيلم «إسماعيلية رايح جاي»، ومنذ تلك اللحظة توطدت علاقتنا، كما شهدت أيضاً موجات من المد والجزر نتيجة تباين وجهات النظر وتقدير الأمور بشكل مختلف. لكنني، في الأحوال كافة، لم أخف تقديري لاجتهاد خالد النبوي، ورغبته المستمرة في تطوير نفسه وغيرته على فنه، فضلاً عن طموحه الذي لا ينتهي وتواصله الدائم مع الهم الوطني، وذلك عبر دعوته لعدد من نجوم العالم، على رأسهم شون بن، إلى زيارة مصر ودعم ثورة 25 يناير، وتحمسه لإنتاج وإخراج حملة إعلامية ضد التحرش الجنسي الذي يطول المرأة المصرية.

Ad

من هنا لم أر مبرراً للهجوم الذي يصل إلى حد التجريح الذي يتعرض له «النبوي» في أعقاب كل تجربة يقوم بها، كما حدث عندما اتهم بأنه «لم يكن مخلصاً للحملة التي قادها ضد التحرش، وأن كل ما يعنيه هو التواجد إعلامياً كونه عاشقاً للأضواء؛ خصوصاً أن الحملة لن تكلفه سوى بضعة آلاف من الجنيهات بينما سيجني منها مكاسب أدبية كبيرة»! ثم تكرر الهجوم في أعقاب قيامه ببطولة الفيلم الروائي القصير «فردي» الذي عُرض في مهرجان الإسماعيلية للأفلام التسجيلية والقصيرة في دورته الأخيرة، بناء على «إلحاح بطله»، حسبما جاء في الهجوم الضاري الذي استهدفه، وخروج الفيلم من دون جائزة أو تنويه، اللهم إلا «تصدر النبوي مقدمة «الكادر» في الفيلم، الذي صوره مجاناً وكان عليه أن يجني في مقابله حضوراً إعلامياً»!

إلى هذا الحد؟ وأي نقد هذا الذي يُحاسب فيه «النجم» على النوايا، ويصل إلى حد السب والقذف؟

أمر جائز بالطبع أن يصف ناقد فيلم «فردي» بأنه «متواضع» في حين يرى آخر أنه يتبنى قضية على جانب كبير من الأهمية والحساسية، تتعلق بظاهرة الفتنة الطائفية. لكن ما لا يمكن قبوله أن يُكتب أن «ما يشغل خالد النبوي هو إثارة الرأي العام ليذكره دائماً بأنه لا يزال يحتل مساحة على الخارطة»!

لم يكن النبوي في حاجة، بكل تأكيد، إلى أن يُخصص بضعة آلاف من الجنيهات من ماله الخاص ليمول حملة وطنية ضد ظاهرة استفحلت وتوحشت وانتهكت عرض الفتاة المصرية على الملأ، ولم يكن مُجبراً بالطبع أن يخوض تجربة بطولة فيلم لا يتقاضى عنه مليماً، ولا يتفوه بكلمة طوال مدة عرضه التي اقتربت من الثلاث عشرة دقيقة، وإنما اعتمد بشكل كلي على تعبيرات وجهه وإيماءاته ومعايشته للشخصية!

إنه التحدي بكل تأكيد، فضلاً عن الرغبة في خوض مغامرة جديدة؛ بدليل أن النبوي ترك نفسه في «فردي» لمخرج شاب يقدم نفسه للمرة الأولى للجمهور العربي هو كريم الشناوي، الذي نال الماجستير من كلية غولدن سميث في جامعة لندن، ويقترب في الفيلم من قضية شائكة تتصل بالفتنة الطائفية؛ حيث يُجسد شخصية طبيب مسيحي يُعاني اضطهاداً في البناية حيث يسكن، على رغم الخدمات التي يقدمها لجيرانه، بحكم عمله في إحدى شركات الأدوية، ويتملكه شعور قاتل بأنه «معزول» ومُستبعد ورقم «فردي» كالمصعد الذي وجد نفسه في داخله سجيناً ورهينة، مُحاصراً بشعارات ومظاهر دينية متطرفة. ولأنه مُصاب بمرض السكري تنتهي اللامبالاة بشخصه وعدم مراعاة مشاعره إلى تبوله على نفسه، ولحظة وصول المصعد إلى الطابق الذي يضم شقته يُسارع بتسليم طفلة «قالب حلوى» عيد ميلاده، ويُداري نفسه خجلاً مُفضلاً  الهروب والعزلة في مصعد «فردي»

 تجربة تستحق التنويه لجرأة صانعيها، وقدرتهم على تناول ظاهرة الفتنة الطائفية من زاوية مختلفة محورها الدعوة إلى احترام حرية العقيدة وكفالة الحرية الشخصية، مع التحفظ على السيناريو الذي تسببت الرغبة في تكثيف توجهه، في ارتباك رؤيته، حتى بدا وكأنه يدين الطبيب المسيحي لا المحيطين به؛ حيث بدا جامداً، عابساً، متجهماً، ومتعالياً، وهي سمات للشخصية تنسف القضية برمتها، وتخصم من رصيد التعاطف مع البطل، وربما تبرئ الأطراف التي حاول الفيلم اتهامها بالتطرف والاضطهاد الديني!

اجتهد النبوي في تجسيد شخصية الطبيب المسيحي عادل إسكندر، بصمته وغضبه المكتوم، وإن بدا متكئاً على خبراته الشخصية، وتراكم تجاربه الذاتية، ولم تظهر بصمة المخرج الشاب كريم الشناوي، بما ينبئ عن حجم الموهبة التي يملكها، لكن أحداً لا يستطيع تجاهل روح الدأب والمثابرة التي تتملك الممثل الشاب، والدخول في نواياه والتعسف في اتهامه بأنه «يعيش على الصخب الإعلامي»؛ فالاختلاف مع رؤيته وتوجهه، والسبل التي يراها مهمة لتحقيق أهدافه، لا يمكن أن يُصبح سبباً في التحريض على كراهيته وازدرائه بين رفاقه، وأغلب الظن أن حملة الكراهية تنتهي إلى تعاطف ملحوظ مع «النبوي» اتساقاً والمقولة المأثورة «زامر الحي لا يُطرب»!