في دراسة وافية حول مرحلة المراهقة وكيفية تعامل الأهل معها لتجنيب الأبناء مخاطر سلبية، قد تنشأ من خلال ممارسات توقع المراهق في هوة التعقيد والأمراض النفسية، يلفت د. عطية عتاقي، استشاري الأمراض العصبية والنفسية، إلى أهمية التواصل مع الأبناء، لا سيما في مرحلتي الطفولة والمراهقة، كسب ثقتهم بالإنصات الجيد إليهم وتجنب أسلوب الزجر والتعنيف.

Ad

ويوضح عتاقي أن المراهق يهوى التعبير عن ذاته والإنصات إليه، لذا على الأب والأم الاهتمام بما يقول، وسؤاله حول تفاصيل يومه في المدرسة وخارج المنزل، وتوجيهه نحو سلوك مثالي.

 يؤكد أن استبدال لغة التأنيب بحوار هادئ يحقق نتائج جيدة، ويحمي الطفل أو المراهق من الاضطرابات النفسية، الميل إلى الانطواء، البحث عن التواصل مع آخرين، ليسوا بالضرورة أسوياء، ما يؤثر سلباً على سلوكياته في مراحل عمرية لاحقة.

يضيف أن التربية تؤدي دوراً مهماً في رسم ملامح مستقبل المراهق، وقدرته على التفاعل الإيجابي في محيط أسرته ومجتمعه، لا سيما أن مراحل النمو العقلي والجسماني، تحدد مسارات الشخصية، ومقياس إدراكه ومستوى ذكائه، وسلوكه نحو ذاته والآخرين.

يشير إلى أن المراهق، بطبعه، يهوى الحركة والنشاط، ويتمتّع بطاقات ذهنية متقدة، تحتاج إلى: قدر من التوجيه والإرشاد، متابعة مستمرة من الأسرة والمدرسة، استثمار تلك الطاقة في هوايات يعشقها المراهق، كالألعاب الرياضية، الرسم، الكتابة الأدبية، القراءة والاطلاع.

ويحذر عتاقي من لوم المراهق في حال أمضى وقتاً في اللعب وتذكيره بأنه لم يعد طفلا، ما يجعله في حيرة واضطراب. في هذه الحال على الأم والأب توجيهه نحو ألعاب تنمي قدراته العقلية، ومشاركته في ألعابه، ما يمنحه ثقة بأن والديه لا يعتبرانه طفلاً، ويعمق مشاعر الحنان والدفء الأسري.

مؤثرات خارجية

ينصح عتاقي بإقامة توازن بين السيطرة الأبوية واحتياجات المراهق الذي يحاول توسيع مداركه وحريته، والحصول على معلومات خارج المنزل، هنا على الوالدين «فلترة» هذه المؤثرات الخارجية وتوجيهه ليميّز بين الخطأ والصواب.

يقول: "يجب أن تنصت الأم إلى احتياجات ابنها المراهق، وتقييم ما يطلبه وإمكانية الاستجابة له، فالتدليل الزائد والتلبية الفورية يؤثران سلباً على شخصيته، ويربكان قراراته إزاء ما يحتاج إليه وما يريده”.

ويحذر عتاقي من الرفض من دون إقناع، ويدعو إلى: تدريب المراهق على النقاش الهادئ، منحه فرصة كاملة للتعبير عن ذاته، حثه على التمييز بين الممكن والصعب في احتياجاته، التفكير في ضوابط حريته الشخصية.

يرى أنه من الجيد مشاركة الأبناء في بعض القرارات المنزلية، مؤكداً أن ذلك لن يمسّ بمنزلة الوالدين، بل سيوفر توازناً بين السيطرة الأبوية وتعزيز ثقة المراهق بنفسه، ويكسبه قدرة على اتخاذ القرارات، ويؤسس شخصيته على التصرف الصائب، ومواجهة المشكلات التي تصادفه في المستقبل.

وتعدّ هذه المرحلة، برأي عتاقي، فرصة لنمو المراهق عقلياً واجتماعياً، وحمايته من الاضطراب الذي يصيبه بسبب التغيرات البدنية في هذه السن ومعاملته كطفل، موضحاً أن تأثير تلك التحولات يعتمد على سلوكه وانفعالاته. بالإضافة إلى تمكينه من التفكير بأمور معقدة، وتوجيهه إلى حلها، وإصدار قرارات صائبة.

ويشير عتاقي إلى أهمية مشاركة المراهق في الأنشطة الجماعية مع أقران في مرحلته العمرية، وحصوله على معلومات مفيدة بشكل آمن، مشدداً على أن تكون للوالدين علاقة بأصدقاء أولادهم المراهقين، ومعرفة بماذا يفكرون وأين يذهبون، عندما يسمحان لهم بالخروج من المنزل.

يدعو في دراسته إلى الالتفات إلى النواحي الإيجابية في تطور شخصية المراهق، وإعطائه معلومات صحيحة عن طبيعة مرحلته العمرية، وأن تدعم المناهج الدراسية تساؤلاته وتجيب عنها، من خلال كتب علمية تتناسب وقدراته الذهنية.

أدب الحوار

يوضح عتاقي أن الاضطرابات النفسية، تختلف درجة تأثيرها في مرحلة المراهقة، وتظهر أعراضها في سلوك عدواني أو انطوائي، ميل إلى الاكتئاب والعزلة، وقد تفضي إلى مشاعر سلبية ورفض العالم الخارجي، وتتطلب استشارة معالج نفسي على وجه السرعة.

يضيف: «يحدث المرض النفسي، في بعض الحالات، نتيجة فقدان القدوة، ونعني تأثير الأم والأب في ابنهما المراهق، والمبادرة إلى إعطائه معلومات عنهما، كسب ثقته، تحفيزه للتعبير عن ذاته، شعوره بأهميته، تعميق مشاعر الدفء الأسري، وتجنب الشجار والخلافات أمام الأبناء».

ويؤكد عتاقي على أهمية الإرشاد والتوجيه النفسي للمراهق، علاج ما يطرأ عليه من اضطرابات في السلوك، دعم الأسرة والمدرسة لتلك الحالات، وضع برنامج علاجي، حسب طبيعة المرض وتداعياته والظروف الاجتماعية المحيطة.

يلفت إلى أن المراهق مرآة تعكس تصرفات أبويه، لذا يجب أن يكونا قدوته وأقرب إليه من أي شخص آخر يتأثر بسلوكهما السوي وأدب الحوار والقدرة على اتخاذ قرارت صائبة، وتحفيزه على التفوق الدراسي، وتشجيعه على ممارسة هواياته، وتنمية استعداده الفطري للإبداع والابتكار.

وينهي عتاقي دراسته بضرورة منح الآباء الأبناء الحب والثقة والتفاهم، عدم تمييز أو تدليل ابن من دون آخر، ما يحميهم من مشاعر الاضطهاد والغيرة، ويعزز السلوك السوي في ذواتهم، ويجعل حياتهم أكثر استقراراً وسعادة.