جريمة منتصف الليل!

نشر في 15-03-2013
آخر تحديث 15-03-2013 | 00:01
 مجدي الطيب مرة أخرى تتجدد الإشكالية الأزلية المتصلة بالعلاقة الجدلية بين كاتب السيناريو والمخرج، ومدى رضاء أيهما عن أداء الآخر، وحجم المسؤولية التي تقع على الواحد منهما، واستعداده لتقبل النتيجة النهائية للتجربة؛ ففي الوقت الذي يرى فيه الكاتب أن حقه مسلوب، وأن كل نجاح يُنسب للمخرج بينما يتحمل وحده الفشل، لا يتردد المخرج بدوره في التأكيد على أنه قائد العمل، والمسؤول الأول والأخير عنه، ومن حقه في هذه الحالة أن يكون مُطلق اليد والحركة... والتفكير!

حدث هذا بالضبط في أعقاب عرض فيلم «حفلة منتصف الليل»، ففي اللحظة التي تأكد فيها خروج الفيلم من السباق، بدليل أن إيراداته لم تتجاوز المليون ونصف المليون جنيه مصري (حوالى 250 ألف دولار)، فضلاً عن تعرضه لهجوم نقدي عنيف وقاس، سارع مؤلفه محمد عبد الخالق، الذي كتب من قبل سيناريو فيلم «أدرينالين» (2009)، بالتبرؤ من الفيلم، وأكد لي في مقابلة أدت المصادفة فيها دوراً كبيراً، أنه كتب سيناريو مختلفا تماماً عن النتيجة التي انتهى إليها الفيلم، وأنه وظف الإثارة والغموض والتشويق لرصد مظاهر الظلم والتفاوت الطبقي والصراع بين الأغنياء والفقراء، في المجتمع المصري، وأيضاً تزييف نتائج انتخابات البرلمان في عام 2010، لكن شيئاً من هذا لم ينجح المخرج محمود كامل في تقديمه، بل أفسد، حسبما يقول الكاتب، رؤيته للصراع بين الطبقة البرجوازية والطبقة الفقيرة، وعجز عن توظيف إمكانات «الفيللا» التي تم اختيارها بمواصفات خاصة لتحقق الوحدة الزمانية والمكانية للدراما، حيث تجري الأحداث في مكان ثابت لا يتغير، وفي ليلة واحدة تبدأ بعد منتصف الليل!

تبرؤ «عبد الخالق» لا ينفي مسؤوليته عما جرى في «حفلة منتصف الليل»، وهذا ما واجهته به، إذ كان في مقدوره أن ينسحب أو يُطالب الشركة المنتجة بإيقاف التصوير أو تجميد التعامل مع المخرج فور اكتشافه أنه لم يستوعب رؤيته، حسب تأكيده، لكنه لم يجرؤ على اتخاذ قرار كهذا، ولم يبد اعتراضاً من أي نوع، بل آثر الاستمرار في التجربة عساه يحصد ثمار نجاحها، وفي أول «مفترق فشل» أبدى غضبه من اختلال الرؤية، وسجل تحفظه على التعديلات التي أدخلت على السيناريو، ثم أعلن تبرؤه من النتيجة النهائية!

خلاف احتدم كثيراً في الفترة الأخيرة، وأصبح في حاجة إلى من يتدخل ويفض الاشتباك بين الطرفين، ما يدفعنا إلى تبني الدعوة إلى ضرورة قيام جهة نشر حكومية، مثل «الهيئة المصرية العامة للكتاب» أو «الهيئة العامة لقصور الثقافة» أو «المجلس الأعلى للثقافة» في مصر، بطبع السيناريوهات المثيرة للجدل، والمُختلف عليها بين طرفي العملية السينمائية، الكاتب والمخرج، في سلسلة مثل «أفاق السينما»، فيتبين للنقاد والباحثين والمهتمين بصناعة السينما الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الحقيقة، ويتم إنصاف أصحاب الموهبة الحقيقية وفضح هواة البطولات الوهمية، كما في واقعة فيلم «حفلة منتصف الليل»، الذي يمكن القول من دون مبالغة إنها تحولت إلى «جريمة في وضح النهار»!

هنا تتحمل المنتجة إسعاد يونس جزءاً كبيراً من المسؤولية عما جرى للفيلم الذي مُني بفشل عظيم، فهي التي تحمست للمخرج بعدما تبنته وقدمته سابقاً في فيلمين من إنتاجها هما: «ميكانو» و»أدرينالين»، وهي التي اكتشفت أثناء التصوير، بحكم خبرتها الطويلة، أنها مُقبلة على «كارثة» وأن خسائرها محققة، ورغم هذا لم تحاول إنقاذ ما يمكن إنقاذه، وتصويب مسار التجربة، أو التدخل لإيقاف «الجريمة»، وإنما تركت الأمور تتردى والحابل يختلط بالنابل، حتى انتهت الحال بالفيلم إلى هذا المصير المأساوي المؤسف.

عندما أممت الدولة المصرية صناعة السينما في الستينيات، وانفردت بتولي زمام أمرها من خلال المؤسسة المصرية العامة للسينما التابعة للقطاع العام، قدمت في الفترة بين عام 1963 وعام 1971 حصيلة إيجابية وافرة، حيث تم إنتاج ما يقرب من 153 فيلماً أهمها : «الأرض»، «الحرام»، «البوسطجي»، «المومياء»، «القاهرة 30» و»شيء من الخوف»، كما جرى اكتشاف وتبني حوالى 21 مخرجاً شاباً، من بينهم: حسين كمال، أشرف فهمي ومدكور ثابت... وغيرهم، إلا أن المتربصين بالتجربة تجاهلوا إيجابياتها الكثيرة، وتوقفوا عند نوعية أفلام الدرجة الثانية، التي أنتجتها المؤسسة وأطلق عليها «أفلام حرف ب»، واستغلوها لإهالة التراب على التجربة بأكملها، بحجة أنها مثلت إهداراً سافراً للمال العام. فما الذي يمكن أن يقوله أولئك المتربصون عن أفلام تُنتج اليوم مثل: «حفلة منتصف الليل»، «على واحدة ونص»، «جيم أوفر»، «جوه اللعبة»، «مهمة في فيلم قديم»، «حصل خير»، «شارع الهرم»، «أولاد البلد» و»هو فيه كده»؟

وهل يمكن اتهام منتجيها بالسفه و»إهدار المال الخاص» أم أنهم يؤمنون بأن «من حكم في ماله فما ظلم»؟

back to top