هوغو تشافيز, الرجل الذي بنى شعبيته الكبيرة عبر طروحات تقوم على تقاسم ثروة فنزويلا النفطية الهائلة مع الفقراء والمحرومين رحل وترك بلاده بنظام يوفر الكثير من الأموال للفقراء، ولكنه خلّف أيضا وضعا اقتصاديا يرثى له.
ويرى محللون على سبيل المثال أن الدولة اضطرت للتدخل وتخفيض قيمة العملة المحلية 30 في المئة أمام الدولار الأميركي الشهر الماضي، كما أن إنتاج النفط قد تراجع بشكل كبير، رغم أن فنزويلا عضو في منظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك) وتملك واحدا من أكبر احتياطيات النفط في العالم.وأقام تشافيز قاعدته السياسية في الأحياء الفقيرة في فنزويلا، وكان قد تعهد بأن تصل ثروة البلاد بشكل عادل إلى الفقراء، وهذا كان أهم عامل لنجاحه خلال فترة حكمه التي امتدت 14 عاما، إذ تراجعت الفجوة في توزيع الثورة الى أدنى مستوياتها في الأميركيتين خلال فترة ولايته.وبحسب قاعدة بيانات وكالة الاستخبارات المركزية, انخفض مقياس تفاوت الدخل الى 0.39 مقابل ما يقارب 0.5 في عام 1989، ما يعني أن المعدلات الفنزويلية قاربت نظيرتها في كندا ودول الغرب.مساعدة الفقراءوقالت ايفا غولينغر، المستشارة السابقة لتشافيز، في حديث لـ"سي ان ان" إن الرئيس الراحل "عمل على جعل الفنزويليين فخورين بهويتهم، وأعتقد أن هذا شيء جيد، ولم يقم به أحد من الرؤساء من قبل".وأضافت غولينغر أن تشافيز قام بتحسين مستوى الحياة لأعداد كبيرة من الفنزويليين ورفع مستوى البلاد، وسياسته عملت على تخفيض نسبة الفقر بأكثر من النصف في البلاد، وعمل أيضا على تطبيق نظام تأمين صحي مجاني شامل للفينزويليين في كافة أنحاء البلاد.وبحسب البنك الدولي فإن نسبة الذين يعيشون تحت خط الفقر هبطت من 39 في المئة عام 2006 الى 50.4 في المئة عام 1989. وبحسب تقارير اليونيسكو فإن فترة حكم تشافيز شهدت عام 2011 انخفاض معدل موت حديثي الولادة في البلاد من 20.3 حالة لكل ألف ولادة الى 12.9 حالة, وأصبح التعليم أيضا بمتناول الجميع.ولكن الرئيس الراحل لجأ إلى تمويل برنامجه (اشتراكية القرن 21) من شركة الطاقة الوطنية "بتروليوس دي فنزويلا،" ويقول النقاد إن تشافيز كان يستخدم هذه الشركة لتمويل مشاريع حكومية مخصصة لتوفير المساكن والغذاء والتأمين الصحي، لكنه أهمل انتاج النفط وتحديث بنية القطاع التحتية.وكتب ويليام ريتليف، الباحث في مؤسسة هووفر، قائلا إن تشافيز يدعم المشاريع والبرامج الاجتماعية عن طريق استنزاف الشركة الوطنية للنفط التي تمثل 95 في المئة من عائد التصدير و12 في المئة، من الناتج القومي.الديمقراطيةويضيف ريتليف: "لسوء الحظ فإن تشافيز دمر الاقتصاد وأهلك جميع المؤسسات الديموقراطية في البلاد وقبض على جميع السلطات بيديه وترك الديموقراطية الفنزويلية في وضع سيئ جدا. لقد كان انتاج النفط في فنزويلا في أوجه عام 2008 ووصل الإنتاج الى 3.2 ملايين برميل يوميا، لكنه هبط الآن إلى 2.5 مليون برميل".من جانبهم، استبعد اقتصاديون زيادة صادرات النفط الفنزويلي وبالتالي انخفاض الأسعار العالمية بعد رحيل تشافيز، ويرجع هؤلاء هذا الاستبعاد لعدم توقعهم قيام السلطات بتحرير قطاع النفط وفتحه أمام المستثمرين الغربيين في وقت قريب.وتعد فنزويلا من أكبر منتجي النفط عالميا وتمثل صادراتها 3 في المئة من إجمالي إمدادات السوق العالمي، وتمتلك أكبر احتياطي مؤكد من النفط في العالم.وقال اقتصاديون في مؤسسة "جي بيسي إنيرجي للاستشارات النفطية" في فيينا إنهم لا يتوقعون تغييرات واسعة في سياسات فنزويلا النفطية، وإن فرص حدوث انفتاح على المستثمرين الأجانب تبقى ضئيلة.تراجع الاستثماراتوقال إحسان الحق من مؤسسة "كي بي سي" البريطانية لاستشارات الطاقة إن من المشكلات التي تواجه قطاع النفط الفنزويلي أن شركة بيتروليوس دي فنزويلا تحول الجزء الأكبر من إيراداتها لتمويل المشروعات الاجتماعية للحكومة بدلا من استثمارها.وتشكل عائدات النفط أكثر من نصف إيرادات ميزانية الدولة حسب تقديرات منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك) التي تعد فنزويلا عضوا مؤسسا لها، وتطالب كراكاس دائما الدول الأعضاء في "أوبك" بخفض سقف الإنتاج بهدف الإبقاء على الأسعار في مستويات مرتفعة.وكان تشافير قد أمم حقول النفط المملوكة لشركات غربية مثل شركة إكسون الأميركية أثناء رئاسته وطرد الشركات الأجنبية، وذلك في إطار تنفيذ سياساته الاشتراكية، غير أن قرار التأميم أدى إلى تراجع الاستثمارات في صناعة النفط، مما أدى الى انخفاض إنتاج الحقول، وتعتمد البلاد على شركات من الصين والهند وروسيا لاستخراج النفط وهي تحقق نتائج ضعيفة.النمو والتضخممن جانب آخر، يتوقع اقتصاديون أن يتراجع الأداء الاقتصادي في فنزويلا عقب رحيل تشافيز، وذلك في ظل استمرار تفاقم التضخم وتخفيض قيمة العملة المحلية، حيث ناهزت نسبة التضخم العام الماضي 20 في المئة، وهي من أكبر المعدلات في أميركا اللاتينية، حيث يتوقع صندوق النقد الدولي أن يسجل الاقتصاد الفنزويلي نموا بنسبة 3.3 في المئة مقارنة بـ5.7 في المئة في عام 2012.وفي منتصف الشهر الماضي عمدت الحكومة الفنزويلية إلى خفض العملة المحلية البوليفار في خامس خفض في السنوات العشر الماضية ليرتفع سعر صرف الدولار من أربعة بوليفارات إلى ستة بوليفارات وذلك من أجل كبح ارتفاع التضخم.ويقول الاقتصادي أسدروبال أوليفيرس إن السيطرة على تغيرات أسعار الصرف تتيح لحكومة كراكاس بشكل دائم إصدار سندات تلقى إقبالا في الأسواق، "فالفنزويليون يتوقون للدولار وهم لا يثقون بالحكومة بالنظر لارتفاع التضخم وغياب الأمن".(سي إن إن)
اقتصاد
تشافيز... أسعد الفقراء وترك الاقتصاد بوضع صعب
08-03-2013