أبرز الترجمات التي أصدرها «المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات» أخيراً: «مدخل إلى سوسيولوجيا الثقافة» لديفيد إنغليز وجون هيوسون بترجمة الدكتورة لما نصير، «فانون: المخيلة بعد- الكولونيالية» لنايغل غبسون بترجمة خالد عايد أبو هديب»، «نظريات القومية: مقدمة نقدية، أو موت أوزكيريملي» بترجمة معين الإمام، و{الفلسفة في زمن الإرهاب» لجيوفانا بورادوري بترجمة خلدون النبواني.

Ad

يأتي إصدار السلسلة الجديدة في سياق الرسالة الفكرية والأنشطة العلمية والبحثية التي يضطلع بها {المركز العربي للأبحاث} الذي يديره الدكتور عزمي بشارة. وتُعنى {سلسلة ترجمان} بتعريف قادة الرأي والنخب التربوية والسياسية والاقتصادية العربية بالإنتاج الفكري الجديد والمهم خارج العالم العربي، عن طريق الترجمة للأعمال والمؤلفات الأجنبية الجديدة أو ذات القيمة المتجددة في مجالات الدراسات الإنسانية والاجتماعية عموماً، وفي العلوم الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية خصوصاً. وتجري الآن أعمال الترجمة والمراجعة والتحرير والإخراج على نحو مئة كتاب مَعْلَميّ آخر باللغات الإنكليزية والألمانية والفرنسية، تمهيداً لإصدارها قريباً في هذه السلسلة التي يشرف عليها فايز الصياغ.

يقدم الكتاب الأول {مدخل إلى سوسيولوجيا الثقافة} دراسة نقدية موسعة لنشأة علم الاجتماع الثقافي، والمدارس والتيارات الفكرية المختلفة التي أسهمت في بلورة مفاهيمه ومنهجياته. ويركز على تطوّر مجموعة معينة من موضوعاته عبر الزمن في أحد السياقات القومية الأربعة التي ظهر فيها معظم مناهج سوسيولوجيا الثقافة، وهي ألمانيا وفرنسا وبريطانيا والولايات المتحدة. كذلك يستعرض الفرضيات التي قدمها بعض مناهج السوسيولوجيا الحديثة في المسائل الثقافية، عن طريق تقييم أعمال علماء الاجتماع الكلاسيكيين من القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين وبينهم كارل ماركس، ماكس فيبر، إميل دوركهايم، كارل مانهايم، وآخرين غيرهم. ثم يراجع في فصول لاحقة أعمال {مدرسة فرانكفورت}، التي تُعتبر إحدى أوائل المحاولات المُنظمة في هذا المجال في أواسط القرن العشرين، مع تحليل تقييمي لأفكار بعض رموزها البارزين أمثال: يورغن هابرماس، هربرت ماركوزه، تيودور أدورنو، ماكس هوركهايمر، فالتر بنيامن وإريك فروم.

سيرة نضالية

الكتاب  الثاني {فانون: المخيلة بعد - الكولونيالية}، الذي وضع المؤلف مقدمة خاصة لطبعته العربية، فيسلط الضوء، ومن منظور نقدي، على المراحل المتميزة في سيرة فرانتز فانون المهنية والنضالية والفكرية، وعلى العوامل والمؤثرات الفلسفية والاجتماعية والسياسية التي حددت مسارات هذا الطبيب النفسي {الأسود} والمفكر الثوري، المارتينيكي الأصل، الفرنسي الجنسية، الذي أمضى السنوات الأخيرة من عمره القصير عضواً في جبهة التحرير الجزائرية، وناطقاً باسمها، وداعية إلى الثورة على الاستعمار الاستيطاني الفرنسي الشرس بين أواسط الخمسينيات وأوائل الستينيات من القرن العشرين. ويشير الكتاب إلى تأكيد فانون على الدور المؤثر الذي يقوم به المثقفون، لا في حركات التحرر الوطني فحسب، بل أيضاً في تشكيل وعي وطني وتشجيع اليقين بالذات لدى الجماهير، من خلال نبذ المفاهيم الشاملة التي غرسها التدريب الاستعماري في أذهانهم، حيث يُنشئ الصوت المتحرر للمثقف {إيقاعاً جديداً} للحياة السياسية والفكرية.  

ويصدر الكتاب الثالث {نظريات القومية: مقدمة نقدية} في وقت أدت فيه التطورات البارزة التي اجتاحت العالم أخيراً، بدءاً بالحروب والتطهير العرقي في البلقان والمذابح الجماعية في وسط أفريقيا، مروراً بالنزاعات الأهلية في جنوب ووسط آسيا، وبتعاظم الخوف الرهابي من الأجانب في أوروبا، وانتهاءً بالتطورات الأخيرة في العالم العربي، إلى تحليل وإعادة تحليل النظرية القومية وتطبيقاتها في سبيل غايات جديدة. وفي هذا السياق، يحلل الكتاب مختلف المذاهب والمقاربات التي طرحها أبرز المنظرين القوميين منذ القرن الثامن عشر حتى أوائل القرن الحادي والعشرين، ويخلص إلى أن سمة القومية المشتركة تتمثل في أسلوب ومحتوى خطابها الذي يروج لفكرة الأولوية المطلقة لمصالح الأمة، بوصفه المصدر الوحيد للشرعية، والمحدد الأوحد للهوية والولاء والمسؤولية والمعايير؛ أما فاعلية الخطاب القومي فتعتمد على استعماله الاجتماعي اليومي؛ ومن ثم يجب أن يأخذ التفكير بالقومية بالاعتبار التعريف الوطني الذاتي للأفراد، المتأثر بالهويات الاجتماعية الطارئة الأخرى، مثل الجندر، العرق، الإثنية، الطبقة والعمر.

زمن الإرهاب

يضم الكتاب الرابع {الفلسفة في زمن الإرهاب} بين دفتيه حوارين منفصلين عن قضية الإرهاب مع اثنين من أهم الفلاسفة المعاصرين: الألماني يورغن هابرماس، والفرنسي جاك دريدا. ويطرح المفكران فهماً جديداً لمفهوم {الإرهاب} وكيفية استغلاله من القوى العُظمى، خصوصاً الولايات المُتحدة الأميركيّة التي حولته إلى مفهوم فضفاض تتلاعب به بما يتلاءم مع مصالحها وسياساتها. وتعرض التحليلات والإضاءات والتأملات الفلسفية الواردة في الكتاب نقاشات واسعة حول مسؤولية الغرب في تحريض القوى الإرهابية في العالَم وصناعتها بشكلٍ مباشر، كما حصل في دعم أميركا للقاعدة خلال محاربتها للاتحاد السوفياتي سابقاً، وهي التنظيم الذي انقلب ضدها في ما بعد، أو على نحو غير مباشر، من خلال استعدائها للعالم الإسلامي، الذي تم تحويله إلى مُجرّد سوق لبضائع الغرب بعدما تم استغلال ثرواتها الطبيعية والبشرية، أو من خلال الكيل بمكيالين في قضية الصراع الفلسطيني الإسرائيليّ، ما ولّد رغبة لدى الشعوب المقهورة بالانتقام. ويناقش الكتاب التباين والاختلاف في مقاربة هذين الفيلسوفين لهذا الموضوع. كذلك يوضح الملامح البارزة للمسيرة الفكرية لكل منهما، والآثار العميقة التي تركاها في اتجاهات الفلسفة النقدية الحديثة.

وتأتي إصدارات {المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات} في سياق التنافس الثقافي بين بعض المدن أو العواصم العربية سواء في إصدارات الكتب المترجمة أو الجوائز الأدبية (البوكر، الشيخ زايد) أو المجلات الثقافية (الدوحة، دبي، البحرين)، أو في إقامة المتاحف (اللوفر – ابو ظبي) أو اقتناء اللوحات الباهظة الثمن. وبعد {مشروع كلمة} في أبو ظبي ومشروع {مؤسسة محمد بن راشد} في دبي ومشاريع أخرى في السعودية، تأتي مشاريع كثيرة من قطر يتولى إدارتها المفكر الفلسطيني عزمي بشارة، من بينها بعض المجلات والمؤسسات الأدبية. واللافت أن غالبية المشاريع الثقافية الجديدة تميل في تسويق ثقافات كلاسيكية غربية ولا تسعى إلى إنتاج ثقافات محلية، كأن الثقافة في ذهن هذه المؤسسة تقوم على الترجمات فحسب.