مع نهاية الشهر الجاري، نكون قد أكملنا 5 سنوات بالتمام والكمال على اندلاع الأزمة المالية العالمية ووصول تداعياتها إلى الكويت، وما خلفته من آثار وخسائر أدت إلى زعزعة أوضاع العديد من الشركات الكويتية، على رأسها البنوك والشركات الاستثمارية، وانكشاف ما كان مستوراً من "عورات" لاغلبية الشركات التي كانت إداراتها تتغنى بإنجازاتها وقت الفورة الاقتصادية، لكنها سرعان ما "اختفت" من خريطة التصريحات الإعلامية.

Ad

وفيما يتعلق بقطاع البنوك، أشارت "موديز" في تقرير صدر لها خلال الشهر الماضي أن "البنوك شطبت 60 في المئة من القروض المتعثرة التي وصلت إلى الذروة في 2009، بعد تجنيب مخصصات كافية، وتوقع أن تبقى تغطية المخصصات مقابل خسائر القروض المتعثرة قريبة من مستويات 2012 عند حوالي 90 في المئة، ولا يزال إقراض شركات الاستثمار يتابع انخفاضه وشكل 7 في المئة من قروض النظام في نهاية 2012، ومع تقليص شركات الاستثمار اقتراضها، واستمرار الأداء القوي للبورصة، وتحسن النظرة المستقبلية لشركات العقار، يجب أن تساعد في تعافي عواملها المالية".

واحتوت الفترة السابقة، على نجاح العديد من الشركات الاستثمارية في الوصول إلى اتفاقيات مع دائنيها بشأن إعادة جدولة الديون، وإطالة فترات السداد، وكذلك قبول الدائنين بالسداد العيني بل وخصم أجزاء كبيرة من أصل الدين.

وبالنسبة إلى سوق الكويت للأوراق المالية، فقد سجل المؤشر السعري حتى نهاية الاسبوع قبل الماضي، نمواً عن مستوى إغلاقه في نهاية العام الماضي بنسبة بلغت 36.4 في المئة، في حين بلغت نسبة نمو المؤشر الوزني منذ بداية العام الحالي 11.1 في المئة ووصلت نسبة ارتفاع مؤشر كويت 15 إلى 6.5 في المئة، وشهدت البورصة العديد من "فورات" الصعود للعديد من الأسهم المدرجة وتكثيف التداول عليها، كما أن الصعود عم غالبية الأسهم مما بشّر ببداية جديدة للبورصة الكويتية بعد سنوات الأزمة. وهذا ما أظهر تساؤلاً مستحقاً: هل انتهت شركات الاستثمار الكويتية من أزمتها؟

وقال مراقبون: "صعود السوق منذ بداية العام الحالي له علاقة بأسعار أسهم الشركات بشكل عام، خصوصاً أن غالبيتها وصلت إلى مستويات القاع وأصبحت قيمها السوقية أقل من ثلث القيم الدفترية لها، وبالتالي أصبحت عملية تعديلها لازمة بعد غياب الدعم الحكومي من جهة، ونجاح الشركات في جدولة ديونها – ولو مؤقتاً- من جهة أخرى، كما أن هناك بعض الشركات الجيدة التي واجهت الأزمة وتداعياتها بنجاح بسبب الإدارة السليمة لها.

 

تعديل بسيط

 

وأضاف المراقبون إنه على الرغم من صعود السوق منذ بداية العام الحالي فإنه لم يقم بالتعديل الكبير، وشركات الاستثمار استفادت من التسويات التي أجرتها مع البنوك والدائنين بشكل عام، خصوصاً أن البنوك أخذت المخصصات اللازمة لتغطية هذه الديون المتعثرة، كما أنها نجحت في الوصول إلى صيغ اتفاقيات متعددة سواء بخصم نسب من الدين أو السداد العيني عبر بعض أصولها المملوكة أو إعادة الجدولة بفوائد منخفضة وفترات سداد طويلة تصل إلى 8 سنوات وأكثر.

ورغم هذه الخطوات الإيجابية، فإن الأخطاء والخطط السلبية في العديد من الشركات لا تزال موجودة، من تلاعبات في التداولات واستفادة من المعلومات الداخلية للشركات وغيرها، وذلك في اتجاه "تعويض" الخسائر الكبيرة التي منيت بها خلال سنوات الأزمة، حتى لو كانت بنفس الأسباب التي وضعتها في تلك الأزمة، خصوصاً أن الأزمة المالية في الكويت كانت بـ"صناعة كويتية" غالبية الشركات المتعثرة حينها.

وأكدوا أنه لا السوق المالي ولا حتى الاقتصاد الكويتي بشكل عام سيستفيد من عملية تحوّل بعض الشركات الاستثمارية إلى "محافظ مالية" بعد عمليات "التكميم" التي أجرتها في إطار إعادة هيكلة أعمالها بعد الأزمة.

 

معالجة حكومية

 

ومن جهة أخرى، هناك آراء تقول إن مشكلة شركات الاستثمار هي أنها لم تتلق علاجاً حكومياً لها أثناء الأزمة، وهي تعتبر من الدول القلائل جداً التي لم تقم بهذه الخطوة، نظراً لأن الدولة مغلقة وفيها من القيود، من جميع النواحي، ما يجعل عملية جذب الاستثمارات المحلية قبل الأجنبية صعباً الغاية.

وأوضح المراقبون أن أي مشروع في الوقت الحالي يحتاج إلى أرض لإقامته عليه، وبدلاً من أن تقوم الحكومة – وهي المالكة للأراضي والمحتكرة لها – بتشجيع المستثمرين من خلال تحرير الأراضي وتسهيل الحصول عليها للمستثمرين، تقوم بفسخ عقود شركات، مثل عقد المنطقة الحرة للشركة الوطنية العقارية على سبيل المثال، ما جعل الشركات أمام حكومة كبيرة وصلت إلى مرحلة أن تكون "غولاً " أو بمعنى أدق هي "آخر الديناصورات التي لم تنقرض".

وتمتلك بعض شركات الاستثمار أراضي قامت بتملكها لإقامة المشاريع لكن بسبب قيود الحكومة وإجراءاتها الروتينية والمقيِّدة فإنها لا تستطيع إقامتها حتى الآن، وهذا ما جعل دورها يتقلص إلى إدارة المحافظ، ويشير المراقبون إلى أن الحلول موجودة وتتكز في تحرير الأراضي وإنطلاق مشاريع التنمية وغيرها من المشاريع التابعة لمبادرات المستثمرين وتعديل قانون الخصخصة، وكذلك المشاركة بين القطاع العام والخاص BOT وغيرها من القوانين التي تحتاج للتعديل، وباستطاعة الحكومة أن تطمئن من هاجس العنصر البشري الذي يقلقها بتطبيق العديد من الحلول المقترحة والآليات التي تضمن وتشترط على المستثمرين الاعتماد على العنصر البشري الكويتي في هذه المشاريع، وبنسب توظيف معينة تساهم في المساهمة بعلاج مشكلة البطالة.

 

نظام اشتراكي

 

ويدافع مراقبون عن شركات الاستثمار ويشيرون إلى أن الكويت دولة اشتراكية أكثر من الدول الشيوعية الكبرى نفسها، نظراً لامتلاكها لكل مفاصل الدولة، وعادةً ما يخلق النظام الاشتراكي فساداً في الإجراءات الحكومية والتسهيلات التي تقدم للمستثمرين ما يقتل البيئة الاستثمارية والتنافسية، ومن المفترض أن يتغير هذا الوضع، فرأس المال جبان وشركات الاستثمار تريد بنية تحتية خصبة للاستثمار وفي حال عدم تعديل الاوضاع ستقوم بالهجرة إلى الدول الأخرى، خصوصاً الدول الخليجية المحيطة التي ترحب برؤوس الأموال الكويتية وغيرها، ولا يشترط تعديل الاوضاع لجوء الحكومة لشراء أصول الشركات المتعثرة، لأنها في هذه الحالة ستقوم باستخدام المال العام دون معرفة مصيره، أي أنها ستقوم – فقط – بإتقاذ الشركات التي ستشتري منها، لكن هناك العديد من الحلول الموجودة في كل دول العالم ولا تحتاج إلى أن تقوم باختراع الذرة بل اختيار ماهو مناسب للكويت من تلك الحلول، خصوصاً وأن هناك العديد من المجالات الاستثمارية الكبيرة في الكويت لكن بالمقابل لا وجود للتسهيلات اللازمة لها من أراض وتراخيص وغيرها.

 

حل جزئي

 

وأشار المراقبون إلى أن صعود البورصة سيساهم في حل جزء من أوضاع قطاع الشركات الاستثمارية، لكنه لن ينهي مشكلتها إلا بتدخل الحكومة وبالاتفاق والتعاون مع  مجلس الأمة بما يخدم المصلحة العامة، وبالعديد من الخطوات التي تحتاج إلى فترة زمنية كي تؤتي بثمارها، مثل تسهيل الأراضي وإصدار التراخيص وتعدل القوانين الحالية، كي تستطيع الشركات الاستثمارية القيام بدورها الرئيسي فعلاً بعد فتح هذه المجالات للاستثمار، لا الاكتفاء بتداولات البورصة والتأثر بشكل كامل لصعودها أو هبوطها.