بينما يحضّ وزير الخارجية الأميركي جون كيري كل الأطراف في الحرب الأهلية السورية على الجلوس حول طاولة الحوار في جنيف، أُرغم على توسّل شركائه المفترضين في عملية السلام للكفّ عن اتخاذ خطوات قد تزيد إراقة الدماء. ففي 31 مايو، دعا الروس، الذين يشاركون الولايات المتحدة في رعاية هذه المحادثات، إلى الامتناع عن تسليم أنظمة صواريخ متقدّمة إلى الحكومة السورية. وأكّد كيري أن تسليم أنظمة الدفاع الصاروخية (صواريخ أرض-جو من نوع S-300) "لا يساعد".

Ad

لكن هذه الخطوة الروسية تُعتبر الإشارة الأحدث إلى أن فرص نجاح محادثات السلام بين المعارضة السورية ونظام الرئيس بشار الأسد، التي تأمل الولايات المتحدة عقدها في شهر يوليو، ضئيلة جداً في أفضل الأحوال. نتيجة لذلك، بدأ كثيرون في واشنطن يتوقعون أن تعرقل الوقائع السياسية والعسكرية الانفتاح الدبلوماسي الذي أعلنه كيري في مطلع هذا الشهر. فقد تلقت خطط وزير الخارجية ضربة أخرى في 30 مايو، عندما أعلنت المعارضة السورية أنها ستقاطع المحادثات، ما دامت "المجازر" تتواصل، وقوات "حزب الله" تقاتل إلى جانب الجيش السوري.

يذكر مسؤول في وزارة الخارجية الأميركية، مشيراً إلى أن موعد المحادثات ما زال "لغزاً": "لا يُعتبر موقف المعارضة من الناحيتَين التكتيكية والسياسية مؤاتياً لتذهب إلى جنيف راهناً. لذلك من الضروري عدم إرغامها على ذلك. من الصعوبة بمكان حملها على المشاركة في هذه المحادثات. وإن نجحنا في ذلك، أعتقد أن هذه الخطوة ستزيد المعارضة تفككاً".

تتفق فصائل المعارضة على أمر واحد: ضرورة الحصول على ضمان أن الأسد، إذا لم يتنحَّ قبل المحادثات (وهذا احتمال مستبعد)، سيتنحّى نتيجةً لها. أما إذا ظلّ الرئيس السوري مصمماً على القتال حتى النهاية، يتوقع قادة المعارضة من المجتمع الدولي تزويدهم بالأسلحة الضرورية لإنزال الهزيمة به في ساحة القتال. لكن إدارة الرئيس باراك أوباما لا تبدو في الوقت الراهن مستعدة البتة لاتخاذ خطوة مماثلة.

يوضح مسؤول آخر في وزارة الخارجية الأميركية: "من وجهة نظر الإدارة... ما من خطوة ستفلح في الوضع الراهن غير (التسوية التي تسفر عنها المفاوضات). لذلك يعمل البيت الأبيض على إنجاح هذه المحادثات. من الواضح ألا أحد يرغب في الانتقال إلى الخطوة التالية. ويُعتبر هذا نوعاً من التراجع لأنه لا أحد يودّ تخيّل ما ستكون عليه الخطوة التالية".

لم تظهر أي خطة بديلة خلال المناقشات مع دبلوماسيي واشنطن بشأن الخطوات التي يلزم اتخاذها لإنهاء صراع دموي مشتعل منذ سنتين، في حال أخفقت محادثات السلام. يضيف المسؤول عينه أن الخيارات الأخرى المتوافرة للبيت الأبيض "كلها شائكة وصعبة. وأرى بوضوح من مركزي هذا أنه ما من رغبة في التدخل مطلقاً".

تشمل الأفكار التي تناقلها داعمو المعارضة إنشاء منطقة حظر جوي وفرضها والسعي لتسليح الثوار. لكن مسؤولي وزارة الخارجية الأميركية، الذين يعملون على المحادثات، يقولون إنهم يصبون كل اهتمامهم راهناً على مؤتمر جنيف.

يوضح مسؤول ثالث في وزارة الخارجية الأميركية طلب عدم ذكر اسمه: "نحاول أن نستنفد من كل الاحتمالات. نواجه دفقاً من الأمور السيئة التي تحدث، إلا أن ترسانتنا محدودة".

يتابع المسؤول عينه موضحاً أن السيناريو الأفضل يقوم على مشاركة المعارضة في محادثات جنيف، وقبول الأسد بالتنحي، واتفاق الطرفين على الخطوط العريضة لحل المرحلة الانتقالية. أما السيناريو الأسوأ، فهو بحسب هذا المسؤول: "أن نخسر المريض (سورية) على الأرض، فينزف حتى الموت، ويرتبط كل ما نقوم به في الشرق الأوسط راهناً بسورية".

يشير الدبلوماسيون المخضرمون، الذين يراقبون ما يحدث على الهامش، إلى أن كيري يقوم بما يُفترض بكل وزير خارجية جيد القيام به، حتى إن أخفقت محادثات جنيف.

يوضح السفير السابق رايان كروكر، الذي كان الدبلوماسي الأميركي الأعلى شأناً في سورية ولبنان والعراق وأفغانستان: "هذه محاولة بالغة الصعوبة، إلا أنها أفضل من الوقوف مكتوف اليدين". تؤكد المصادر الدبلوماسية أنه طُلب من كروكر أخيراً تولي منصب الموفد الأميركي إلى المعارضة السورية، إلا أنه لم يستطع القبول بسبب التزامات مهنية أخرى كان يقوم بها بينما كان لا يزال يعمل سفيراً لبلاده في أفغانستان. توضح هذه المصادر: "إن أخفقت هذه المحادثات، فستكشف لنا على الأقل ما لا ينجح، وقد تفتح لنا الباب إلى ما قد ينجح، مع أن الوضع حرج جداً".

لكن دبلوماسيين آخرين لا يرون أن إخفاق مؤتمر جنيف قد يحقق أي غاية أخرى غير زيادة الوضع الكارثي اليوم تعقيداً.

يذكر مسؤول وزارة الخارجية الأول: "هذه سياسة احتواء وعدم تدخل مهما كلّف الأمر، فلن نتدخل، إلا إذا قُصفت تل أبيب بالسارين".

Gayle Lemmon