قبل إنشاء الأمم المتحدة بعد الحرب العالمية الثانية مباشرة، لم تكن هناك محطات انطلاق للتدويل، وكانت مؤشرات الحالة الدولية تقاس بالحروب، وربما الأزمات الاقتصادية، وعندما قرر المنتصرون في الحرب الثانية أن يقتطفوا ثمرة انتصارهم، كانت إحدى الأفكار إيجاد منظمة دولية جديدة تقنن المسارات الدولية، وتضمن عدم خروجها عن نطاق السيطرة، بعد أن فشلت "عصبة الأمم" في القيام بذلك الدور، فكان أن تم تأسيس "الأمم المتحدة".
كان التعامل مع الأشياء من منظور سياسي بحت، ولذا كانت أهم مؤسسة أممية هي مجلس الأمن الذي أعطى حق النقض "الفيتو" لخمس دول فقط، ولتصبح المعايير الدولية معاييرها هي، أما ما عدا ذلك من المنظمات الدولية فلم تكن، حسب تصور الدول الكبرى، إلا لملء الفراغ الشكلي، لا لتلعب دوراً أساسياً في الساحة الدولية.ولم يكن يدور بخلد "المؤسسين" أن التغيير قادم، وأن الساحة الدولية ستشهد لاعبين جدداً يسعون إلى أخذ وضعهم وتأثيرهم، وأن اللاعبين المؤثرين لن يكونوا دولاً فقط بل قضايا كبرى، ومنظمات دولية غير حكومية، ورأي عام دولي، إلا أن صراع القضايا الكبرى كالبيئة وحقوق الإنسان والديمقراطية تأجَّل بفعل فاعل، وحل محله صراع التحرر من الاستعمار، الذي دخل فكرياً في أتون الحرب الباردة بين القطبين الكبيرين ومساعديهما على الضفتين الأميركية والسوفييتية، هكذا مثلاً تم التعامل مع قضية الانقلاب الدموي الذي قاده ديكتاتور تشيلي أوغستوس بينوشيت كقضية حرب باردة، لا تثبيتاً لقيم الديمقراطية وحقوق الإنسان.مشاهد لها سوابق في براغ ودومينيكان وغيرهما لم يكن المزاج الدولي يستوعب قضايا حقوق الإنسان كعنصر مؤثر تدفع به منظمات غير حكومية حقوقية ليست مرتبطة سياسياً بهذا الفريق أو ذاك، بل إن المعسكرين الشرقي والغربي كافحا بكل وسائلهما لمنع تحويل قضايا عامة للساحة الدولية إلا حسب مصالحهما. ولذا كان واضحاً ما جرى من إعاقة الاتفاقيات الدولية الداعمة لحقوق الإنسان، ولكن حيث إن الثابت الوحيد في السياسة هو التغيير، فإن العالم شهد تغييرات جذرية جعلت من التدويل أمراً واقعاً لقضايا إنسانية وبيئية وغيرها، بل إن واقعاً جديداً قد جاء، وانتهت الحرب الباردة، وتفكك الاتحاد السوفييتي إلى غير رجعة، ودخلت إلى الساحة الدولية "محركات جديدة" كما سنرى.
أخر كلام
إعاقة التدويل
29-12-2012