تحدثت الأسبوع الماضي في الملتقى الإعلامي الخليجي الذي عقد في مملكة البحرين، والذي جاء تحت شعار "وسائل الإعلام والاتصال والأمن القومي"، وقد كانت الندوة التي شاركت فيها تحت عنوان "وسائل التواصل الاجتماعي والأمن القومي".

Ad

لم يخل الملتقى الذي عقد على مدى يومين من الكثير من الشد والجذب بين مختلف الآراء، وقد دارت معظم النقاشات الحادة حول النقاط الأساسية التالية، أولا: تعريف مصطلح "الأمن القومي"، وقد كنت ممن توقفوا كثيراً عند هذا الجانب، على الرغم من محاولة بعض الحضور البارزين التقليل من أهميته بدعوى أن ذلك من الترف الفكري في ظل ما يحيق بدولنا من تهديدات داخلية وخارجية تمس "أمنها القومي"، لكن لم يثنني هذا الرأي عن القول إن الأمن القومي يظل مصطلحا مطاطا ما لم يحصل على تبيان تشريعي وتعريف قانوني واضح الدلالة يبين ماهيته ويحدد مساحته، ويحدد كذلك شكل المعالجات القضائية والعدلية في حالة المساس به، وهو الأمر غير الموجود حاليا. وقد كنت صريحا ومباشرا في القول إن ترك المصطلح بلا تعريف قانوني محدد قد يجعله أداة سياسية في أيدي الحكومات والأنظمة لمعاقبة بل تصفية خصومها بزعم مساسهم بالأمن القومي.

وأضفت بأن الأمن القومي الذي أفهمه وأقبله هو أمن الأوطان في ظل الحفاظ على حقوق أقوامها، أي شعوبها على مستواهم الفردي والجماعي، في التعبير والاعتراض السلمي والمشاركة السياسية في المقام الأول، قبل أن ينصرف الذهن إلى التفكير بأمن الأنظمة السياسية والحكومات.

ومن نقاط الاختلاف الأخرى التي دار حولها النقاش موضوع شبكات التواصل الاجتماعي، وهل هي من وسائل الإعلام حقا أم أنها مجرد شبكات اجتماعية، والحقيقة أن الخلاف هنا لم يكن مستحقاً في قناعتي، وذلك في ظل التأثير الساحق الذي لا يمكن لأحد أن ينكره لهذه الشبكات على مسار الإعلام في العصر الحالي، حتى وصلت الحال أن تكون اليوم أهم وسائل ما بات يسمى بالإعلام الجديد.

وسائل التواصل الاجتماعي صارت رقما صعبا وأساسيا في معادلة الإعلام اليوم مهما حاول "الإعلاميون التقليديون" التقليل من قيمتها وتخطيها، ولهذا تمنيت، وقد أوصلت هذه الأمنية لمنظمي المؤتمر، لو كانت تمت دعوة البعض من المؤثرين في وسائل التواصل الاجتماعي في الخليج، والاستماع إلى وجهات نظرهم ومناقشتهم، بدلا من الحديث حولهم وحول شبكاتهم بشكل نظري.

ومن النقاط الجديرة بالاهتمام كذلك هو ذلك النقاش الذي دار حول كيفية تعامل الحكومات مع فوضى المعلومات والإشاعات والأخبار المغلوطة والكاذبة التي كثيرا ما تنشر في وسائل التواصل الاجتماعي، وقد كان هناك استقطاب واضح في الآراء حول هذه الجزئية بين من كانوا يطالبون بالمراقبة والمتابعة الأمنية اللصيقة لما ينشر، ومن كانوا يقولون بترك الأمور على الغارب تماما. وهناك حرصت على التوضيح بأني لن أكون أبدا ممن يقولون بترك الأمور منفلتة تماما بدعوى الحرية، وذلك لأن حرية الشخص تتوقف عند حدود حرية الآخرين، ولكنني شدّدت في ذات الوقت على أن على الحكومات أن تواجه المعلومة الخاطئة والكاذبة قبل ذلك من خلال الشفافية والصدق والتفاعل السريع مع مجريات الأحداث، وأن هذا المسلك هو الكفيل حقا بمقاومة أي تهديد للأمن القومي عبر تعزيز الجبهة الداخلية، وأما الأسلوب البوليسي البحت والمراقبة الدائمة والملاحقة الأمنية المستمرة فلن تجدي نفعا بالغا، والأمثلة على ذلك كثيرة جدا، خصوصا مع الراغبين في الإضرار بالأمن القومي عن قصد وترصد.

ملتقى الإعلام الخليجي في البحرين بموضوعه الذي طرحه كان فعالية جيدة جداً حول موضوع مستحق، لكنني أعتقد أن الموضوع لا يزال بحاجة إلى الكثير من النقاش حتى يمكن له أن يصل إلى نتائج فعلية على المستويين النظري والتطبيقي، وشكراً للبحرين على الدعوة.