من المرجح تماماً أن الأزمة ستكلف بريطانيا سُدس الناتج المحلي الإجمالي، إلى الأبد. فكيف حدثت هذه الكارثة؟ الجواب هو أننا وثقنا بصناعة خاصة لتقوم بتأمين 3 منافع عامة، أو شبه عامة هي: عرض الأموال، ونظام الدفعات، وتوفير الائتمان، لكن الائتمان يتسم بخطورة، في حين أن الأموال والدفعات لا بد لهما أن تكونا مأمونتين.
فرضت الأزمة المالية على الاقتصاد البريطاني والمالية العامة للبلاد تكاليف اقتصادية ومالية تقارب تكاليف خوض حرب عالمية، ولا بد أن تستنير الاستجابة لذلك بهذه الحقيقة القاسية. ليس من الممكن التظاهر بأن الأمور تسير كالمعتاد، لأن هذه الفكرة يمكن أن تؤدي إلى دمار البلاد، ولا يمكن السماح لأية صناعة بالعمل بهذه الطريقة. وكما قال الأسبوع الماضي السير ميرفن كينغ، محافظ بنك إنكلترا الذي سيغادر منصبه قريباً: "ليس في مصلحتنا الوطنية أن تكون لدينا بنوك أكبر من أن تفشل، وأكبر من أن تذهب إلى السجن، أو حتى كبيرة فوق الحد".ومن المرجح تماماً أن الأزمة ستكلف بريطانيا سُدس الناتج المحلي الإجمالي، إلى الأبد. فكيف حدثت هذه الكارثة؟ الجواب هو أننا وثقنا بصناعة خاصة لتقوم بتأمين ثلاث منافع عامة، أو شبه عامة هي: عرض الأموال، ونظام الدفعات، وتوفير الائتمان. لكن الائتمان يتسم بخطورة، في حين أن الأموال والدفعات لا بد لهما من أن تكونا مأمونتين. ولهذا السبب تضع الحكومات شبكات سلامة أقوى بصورة دائمة. واستجاب المصرفيون الساعون إلى تحقيق الأرباح بأن جعلوا مؤسساتهم أكثر هشاشة بصورة متزايدة.وعلى هذه الخلفية فقط نستطيع تقييم المقترحات الواردة في تقرير اللجنة البرلمانية حول المعايير المصرفية، الذي صدر هذا الأسبوع. هذا التقرير وثيقة مثيرة للكآبة، لكنها متطرفة بصورة تدعو إلى الإعجاب. فهي تُعَرِّي الأفعال المخالفة للقانون وانعدام الكفاءة التي اتسمت بها المصرفية البريطانية قبل الأزمة.والتقرير واسع النطاق ولديه الكثير الذي يقوله حول المنافسة، مثلا، لكن سلامة النظام هي لب الموضوع. والمنافسة المنفلتة على من يستطيع إدارة البنك بصورة غير مسؤولة أكثر من غيره لا تعطي إلا فائدة عابرة للزبائن. وهذه المنافسة ممكنة في حالة واحدة فقط، هي إذا تم استيعاب المخاطر تماماً من قبل صناع القرار، لكن هذا لم يحدث كما يبين التقرير. فالمصرفيون الذين أداروا بنوكهم وأوصلوها إلى الدمار غادروها ومعهم ثروات طائلة، تاركين الجمهور بصورة عامة، ودافعي الضرائب بصورة خاصة، ليرمموا ما خلفوه من خراب. فما الذي ينبغي عمله؟ الجواب في جوهره يقوم على التركيز على البنية والحوافز.وفيما يخص البنية، أوصت اللجنة المستقلة حول البنوك، التي كنتُ عضواً فيها، بتسوير مصرفية التجزئة، وهو ما يزيد من الخيارات أمام صناع السياسة في المستقبل. وبالنسبة لرأس المال، لا بد أن تكون هناك مبالغ أكثر من ذي قبل، بل وأكبر بكثير في رأيي. والسماح للبنوك بتعزيز العوائد على حقوق الملكية من خلال زيادة الرفع المالي إلى مستويات فلكية، أمر يدل على الجنون. لكن الحكومة للأسف ليست من هذا المعسكر، بعد أن رفضت اقتراحاً متواضعاً من اللجنة المستقلة لرفع متطلبات حقوق الملكية على البنوك المسوَّرة من 3 إلى 4 في المئة من الأصول. وأحد المقترحات الرئيسية للجنة البرلمانية يحث الحكومة على "أن تتخلى عن السيطرة السياسية على القرارات بخصوص نسبة الرفع المالي التي هي أهم أداة لتحقيق نظام مصرفي أكثر أمناً، والتي هي بالضبط من اختصاص الأجهزة التنظيمية".ورفع متطلبات حقوق الملكية سيزيد بصورة آلية من حوافز المساهمين لتحسين رقابتهم على إدارات البنوك. والواقع أن سيطرة المساهمين هي نوع من الاستهزاء حين لا يقع عليهم إلا الجزء الضئيل من مخاطر الميزانية العمومية. لكن هناك انتباها سليما إلى حوافز الموظفين، وفوق كل شيء الإدارة العليا. وهناك تبرير قوي للغاية لهذا الأمر، وهو أنهم يمارسون أمانة عامة.وهناك مجموعتان من المقترحات مقنعتان بصورة خاصة. الأولى هي أنه ينبغي تقييد العلاوات لفترة طويلة تصل إلى عشر سنوات، وأن تتخذ شكل سندات يمكن مصادرتها إذا دعت الحاجة إلى إنقاذ البنك. وبالنظر إلى طول دورة الائتمان والحاجة إلى تحقيق الانسجام بين مصلحة الإدارة ومصلحة الدائنين، فإن هذا يعد أمراً معقولاً. والثانية توصي اللجنة بفرض عقوبات مدنية وحتى جزائية على السلوك "المتهور". وأنا أساند المجموعتين، فهما دلالة على المسؤوليات العامة للمصرفيين.وبطبيعة الحال سيجادل المصرفيون بأن الأفكار التي من هذا القبيل ستخلق "ساحة لعب غير متكافئة" وأن الأثر سيكون سحق عملية اتخاذ المخاطر. وينبغي أن نرفض هذين الاعتراضين. فالحجة القائلة إنه ينبغي أن نكون مستعدين لتدمير اقتصادنا لأن الآخرين مستعدون لتدمير اقتصادهم تعد حجة باطلة. وبنوك التجزئة المسورة تواجه منافسة أجنبية بسيطة، في حين لا توجد مصلحة عامة في تقدم الدعم المالي للمصرفية الاستثمارية العالمية. وأخيراً، كما لاحظ السير ميرفين: "ما يعوق الإقراض هو رأس المال غير الكافي". وبالمثل تعمل الحوافز المشوهة على تشويه اتخاذ المخاطر.ولا نستطيع أن نقرأ تقرير اللجنة دون أن نشعر بغضب حقيقي. فقد استغلت الصناعة المصرفية الجمهور وخدعته. وعلى الرغم من الإصلاحات الكبيرة التي هي موضع ترحيب، لا تزال الصناعة تستغفل الجمهور. والحجة التي تطرحها هي أنها أهم من أن تتعرض للإصلاح. والواقع أنها أهم من ألا تتعرض للإصلاح. وهذا الأسبوع قال جورج أوزبورن، وزير المالية البريطاني: "الفكرة الرئيسية في تقرير اللجنة صحيحة بصورة مطلقة. وعلى حد تعبير اللجنة، فإن معايير الصناعة المصرفية ينبغي ألا تكون بديلاً عن النجاح العالمي. بل على العكس، يمكنها أن تكون المحفز لهذا النجاح". وقد وعد الوزير "بالاستجابة بصورة أشمل في الشهر المقبل".مارتن وولف - فايننشال تايمز
اقتصاد
إصلاح النظام المصرفي البريطاني بحاجة إلى دفعة
25-06-2013