قبيل أيام، ازدادت أرض الكويت طهراً، وازدان ترابها فخراً حين عاد إليه «عبدالرحمن حمود السميط» فاحتضنته كحبة قمح، أو فسيل نخل، أو قطعة بخور.

Ad

في الحديث الشريف: «كونوا دعاة الناس بغير ألسنتكم». عبدالرحمن السميط كان من النخبة النادرة التي اختارت هذا الطريق الشاق الطويل، فقد كان داعية بعلمه وعمله وخلقه وزهده. لم يبغ من الدعوة إلا مرضاة خالقه من باب خدمة خلقه، فلم يسمح لكسب شخصي أو هدف سياسي أو انتماء حزبي أن يشوب نقاء دعوته أو يشوّه صفاء عباءته.

تعلّم قبل أن يتعبد، لأن التعبد دون علم يورث التعصب، وتعبَّد حتى تغلب على النفس وأدرك التقى، فعرف جوهر الدين ورسالته، وعرف سماحته وانسانيته، وعرف أن الخير بمفهومه الاسلامي الصحيح عمل انساني يجب أن يفيض على كل البشر دون تفريق بين شعب وآخر، ودون تخصيص لأصحاب عقيدة دون غيرهم، فانطلق ينشر الهداية والخير معاً بالغيث والغوث، وبالعمل الصالح والكلم الطيب، الى أن أقعده المرض إلا عن ذكر الله والسؤال عن أحوال الملايين الذين أحبهم كأهله وأحبوه كأهلهم.

يرحل الكبار ولا يغادرون.

يرحل الكبار ويبقون معنا. وسيبقى من «أبي صهيب» ما يخلّد ذكره وذكراه في تاريخ الكويت، ووجدان افريقيا، وضمير الدعوة. وسيبقى من الراحل ما ليس يرحل؛ آلاف آبار المياه، ومثلها مراكز صحة ومستشفيات، ومدارس وجامعات، ومساجد ودور قرآن... وأكثر من أحد عشر مليون بسمة هدىً ورضا واطمئنان، على وجوهٍ سمراء في القارة العذراء، أنار الايمان حياتها وطريقها، بعد أن نجح «أبو صهيب» - بحمدالله وفضله- في مداواة مريضها، ومواساة منكوبها، وعون فقيرها، وتكفل يتيمها.

وإذا كان عبدالرحمن السميط من الرجال الذين يكبر بهم الوطن، فإن الكويت أيضاً من الأوطان التي يسمو بها الرجال. فلم يكن – رحمه الله – إلا نموذجاً عبقرياً عن عطاء هذا الوطن واعتداله، وعن روح شعب الكويت ووسطيته، وحرصه على زكاته وصدقاته.

وعزاؤنا فيه أنه كان مؤسسة في رجل، وترك بعده مؤسسة حافلة بكرام الرجال واخواتهم.

باسم غرفة تجارة وصناعة الكويت، منتسبين ومجلساً وإدارة، أتقدم بصادق العزاء الى وطني الكويت أميراً وحكومة وشعباً، والى الأمتين العربية والاسلامية، والى كل فقراء افريقيا ورواد الخير في العالم. كما أعزي عائلة الفقيد وأهله، وكل من عرفه فاحترمه وأحبه وآلمه غيابه، سائلاً المولى عز وجل أن يتقبل الراحل الجليل في جنانه، ويتغمده برحمته ورضوانه.

*رئيس غرفة تجارة وصناعة الكويت