بطر الكاتب الخليجي!
"ما الذي يشغل بال كتّاب الخليج؟" كثيراً ما يردد مبدعون ومثقفون عرب هذا السؤال بشيء من الخفة، متوهمين أن الكاتب الخليجي ليس لديه من المعاناة شيء، وأنه يعيش كأطيب وأريح ما يكون العيش الرغيد! ويغيب عن ذهن أولئك أن الحياة في كل مكان تخبئ معاناتها في طيات لحظتها. فاعتقاد خاطئ ينتشر لدى بعض الشعوب العربية، بما في ذلك فئة الكتّاب المثقفين والإعلاميين، ببحبوحة العيش لعموم شعوب منطقة الخليج. وهذا الاعتقاد يستند إلى نظرة قاصرة ومقارنة ظالمة للوضع المادي للمواطن الخليجي والمواطن العربي. وتتبدل قناعة هؤلاء متى ما أتاحت لهم الفرصة إمكانية العيش في أي من دول الخليج، ليكتشفوا أن هذه الدول تعيش وضعها الإنساني بوجود طبقة غنية وطبقة متوسطة الحال، وطبقة فقيرة. ولا أظن أن هذا الوضع يتنافى والناموس الإنساني ففي كل مجتمع فقراء لهم معاناتهم ووجعهم بمعيشتهم.
إن موقفاً من الحياة يجب أن يكون في القلب من كتابة أي كاتب مبدع، فلا يمكن لكاتب أن يقنع القارئ بصدق ما يكتب، إن هو لم يتبنَ موقفاً صلباً وواضحاً من واقع مجتمعه. ويختار فئة أو رأيا أو قضية ليقف عندها، وليس أهم من حياة الإنسان قضية، وليس أكبر من معاناته!إن القارئ المتأمل لمجمل الكتابات الخليجية الشعرية والقصصية والروائية المبدعة والمحقِقة لشروطها الفنية، ليرى الهمّ الإنساني الكبير الذي تكشفه هذه الأعمال، ونظرة عابرة على أعمال د. خليفة الوقيان، وإسماعيل فهد إسماعيل، وقاسم حداد، وسيف الرحبي، وليلى العثمان، وعلي المقرن، وعبده خال، ورجاء عالم، وطالب الرفاعي، وأحمد زين، وسعدية مفرح، وعبدالله ثابت، ومحمد حسن علوان، وليلى الجهني، وبثينة العيسى. نظرة متأملة فيما يكتب هؤلاء، وغيرهم كثير، تكشف بشكل جلي جبل المعاناة الذي يجثم على قلوبهم ووعيهم. صحيح أنها معاناة مختلفة عما يعانيه الكاتب العربي المصري والسوري والعراقي واللبناني والسوداني والمغرب والتونسي والجزائري وغيرهم، لكنها المعاناة الإنسانية بغربة الكاتب، ووجعه بآلام وطنه انطلاقاً من الهم الخاص وتقاطعه بالهم العام. إن عجلة الاستهلاك الطاحنة التي تقطّع أوصال المجتمع الخليجي، وحالة التناقض التي تعيشها نسبة كبيرة من مواطنيه، وأنا هنا أقول نسبة كبيرة، من واقع معرفة حقيقية بحياة المواطن الخليجي، وليس من باب التضخيم، نسبة كبيرة من شعوب الخليج تعيش حياتها مثقلة بالأقساط الشهرية. فنتيجة تغلغل الشركات التجارية العالمية العابرة للقارات لساحات المجتمعات الخليجية، ونتيجة لإعلام العولمة الذي يكرر ليل نهار مقولات الرفاهية مقترنة بمزيد من الاستهلاك، تكوّن وعيا جمعيا مقيتا، يقرن بين حضور الإنسان في المجتمع وأهميته ودرجة احترامه، بناء على سيارته وساعة يده وتلفونه النقال وحذائه!لقد خلقت حمى الاستهلاك هماً يومياً يسيطر على فكر ومخيلة المواطن الخليجي، وهذا بدوره يخلق حالة من الحياة الاجتماعية المليئة بتناقضاتها وأمراضها، وبالتالي هذا مجتمِعا يقدم للكاتب المبدع لوحة واقعية لا يمكنه تجاهلها والهرب منها إلى كتابات سخيفة تجعل من الجنس الرخيص مادة لها.أرى أن الهم المحلي في خاصه، والعربي في عمومه، وما يضج به رأس كل كاتب عربي بحلمه الكبير بالعدالة والمساواة والكرامة. ووطن فيه من الحرية ما يتيح له قول الحقيقة، دون أن يترتب عليها ملاحقة أو خطر على حياته. ناهيك عن حلم أي كاتب بساعات تفرغ يخلو فيها لقراءاته وكتاباته. ولا أظن أن الكاتب الخليجي ببعيد عن هذا.أبناء الشعوب الخليجية ليسوا كلهم أغنياء، وكتّاب الخليج ليسوا في أبراج عاجية، وبما أننا نعيش في الشرق فكلنا في الهمّ سواء، وليس على المتشكك سوى المعايشة!