فجر يوم جديد: قيد الإقامة الجبرية!

نشر في 18-02-2013
آخر تحديث 18-02-2013 | 00:01
 مجدي الطيب عندما يلازم المخرج الكبير كمال الشيخ بيته من دون عمل، مذ أنجز فيلمه «قاهر الزمن» عام 1987 وحتى رحيله عام 2004، ثم يتكرر الأمر مع المخرج والسيناريست رأفت الميهي، الذي انتهت علاقته بالسينما مذ قدم فيلمه «شرم برم» (2001)، والمخرج سعيد مرزوق الذي لم يجد المنتج الذي يدعمه مذ أخرج «قصاقيص العشاق» واستسلم للمرض يأساً وزهداً واستنكاراً للجحود الذي استشعره. ولا تختلف الحال كثيراً مع كتاب ومخرجين وممثلين كُتب عليهم الاعتزال، وصاروا «قيد الإقامة الجبرية»، فإن الأمر يعني أن السينما المصرية تأكل أبناءها، أو كما يقولون في الأمثال الشعبية المصرية «تأخذهم لحماً وترميهم عظماً»!

ربما يرى البعض أن غالبية من أشرنا إليهم تقدم بهم العمر، ولم يعد لديهم ما يقدمونه، ويواكب العصر في عالم متغير بسرعة هائلة، بكل ما في وجهة النظر هذه من ازدراء للموهبة وتجاهل للتاريخ واستهانة بالخبرة الناتجة من تراكم التجارب. لكن ما الذي يمكن قوله عن سينما تلفظ كاتباً في ريعان شبابه، وأحد أهم مبدعيها، حتى إنها تجبره على أن يكتب السيناريو تلو الآخر، وهو يعلم أن مصيره الأدراج!  

 أتحدث عن الكاتب ماهر عواد قائد قطار التجديد والابتكار في السينما المصرية، مذ كتب أول أفلامه «الأقزام قادمون» (1986)، الذي مثل اكتشافاً جديداً من حيث الشكل، وأظهر قدرته الفائقة على الاقتراب الحميمي من هموم وقضايا المجتمع برؤية لا تخلو من سخرية لاذعة إذا كان الأمر يتعلق بالسلطة والنخبة، وإصرار واضح على تثمين لحظة التنوير في حياة المواطن البسيط، والتأكيد على مواطن القوة في داخله، وتحريضه ضد أشكال القبح والزيف والظلم والعفن والفساد والاستغلال، وهي الرؤية التي دأب «عواد» على تقديمها في أفلامه التالية: «الدرجة الثالثة» (1988)، «سمع هس» و»يامهلبية يا» (1991) بلغة لا تخلو من الرمزية التي تنحو للرقي، والإسقاط الذي لا يعرف الفجاجة، ما أتاح للمخرج شريف عرفة التعبير عن نفسه وموهبته وتقديم مستوى تقني رائع، أدت فيه الصورة والتشكيل الجمالي دوراً كبيراً، بفضل سلاسة لغة ماهر عواد وطزاجة أفكاره وفهمه المتطور لماهية الإيقاع ووظيفة الحوار.

نجح «الأقزام قادمون» في تأكيد لغة التفاهم الكبير والواضح بين ماهر عواد ورفيق مسيرته المخرج شريف عرفة، والرؤية البصرية الجديدة التي تبنياها في أفلامهما غير أن فشل فيلم «الدرجة الثالثة»، الذي قيل زوراً وبهتاناً إنه أدى إلى اعتزال سعاد حسني، وهو الزعم الذي نفته «السندريلا» بشكل قاطع في حوار أجريته معها، تسبب في ما يشبه القطيعة بين «عواد» و»عرفة»؛ فرغم تعاونهما في فيلمي «سمع هس» و»يامهلبية يا» (1991) إلا أن شرخاً نفسانياً تسلل إلى علاقتهما، فاختارا الفراق بغير رجعة، وخسرت السينما المصرية بفراقهما أفلاماً ذات خصوصية، وأنموذجاً للسينما المتمردة والمختلفة.

غاب الموهوب ماهر عواد قرابة العامين، قبل أن يعود مع المخرج سعيد حامد، الذي أدرك حجم موهبته المتفردة منذ أن كان يعمل كمساعد للمخرج شريف عرفة، وقدما معاً فيلم «الحب في الثلاجة» (1993)، وبعده بدا وكأن «حامد» الوحيد الذي لديه قناعة بأن ماهر عواد «عبقرية» لا يمكن التفريط فيها بسهولة، وواحد من أفضل وأمهر كتاب السيناريو، وأكثرهم طزاجة وميلاً إلى التجديد والابتكار والتطوير. من هنا، تعاونا في تجربتي «رشة جريئة» و»صاحب صاحبه». وباستثناء هذين العملين اختفى اسم ماهر عواد من «تترات» الشاشة الكبيرة، وباختفائه غابت اللمسة الإبداعية التي كانت تميز أفلامه، والفكرة اللامعة التي تلمحها في موضوعاته، وسطور حواراته، والأهم نبرة السخرية اللاذعة التي كانت تتسلل من بين ثنايا معالجاته ورؤيته الناضجة وقراءته الرصينة لقضايانا وخصوصيته الفريدة في مراجعة التاريخ وقراءة أحداثه، بعيداً عن المحاضر والروايات الرسمية، كما فعل، ببراعة فائقة في فيلم «يا مهلبية يا»، الذي بلغت حماسة النجمة ليلى علوي له أن أسست شركة إنتاج لتمويله.

اختفى «عواد»، الذي لا يجيد حرفة «العلاقات العامة»، وتوارى عن الأنظار، بعدما أيقن أن المناخ لم يعد مواتياً، وأنه ظهر في الزمن الخطأ، حتى تم الإعلان عام 2010 عن فوزه بالمركز الأول في فرع كبار الكتاب في مجال السيناريو السينمائي بالدورة السادسة لمسابقة مؤسسة ساويرس للتنمية الاجتماعية، عن سيناريو «حتى نفاد الكمية»، مناصفة مع الباحث والمخرج محمد كامل القليوبي. ومع الإعلان عن اسمه، عادت الروح إلى جسد محبي إبداعه، وتجدد الأمل في نفوس عاشقي سينماه، ممن افتقدوا قيمة ذلك المبدع الخلوق ومكانته، لكن الفرحة لم تكتمل نظراً إلى أن «حتى نفاد الكمية»، بعنوانه الذي لا يخلو من مغزى، لم ير النور، رغم مرور عامين على فوزه بالجائزة، ورغم اعترافنا جميعاً، باستثناء الدخلاء والطفيليين من تجار السينما، بأن عودة ماهر عواد تعني عودة الروح إلى الإبداع والابتكار والخيال الجميل، ما يعني بكل أسف أن السينما المصرية تأكل أبناءها!  

back to top