لم يعد خافياً أن عبد الناصر غارم فنان سعودي استثنائي، سواء لناحية حياته، فهو مقدَّم في الجيش السعودي، أو لناحية مسيرته الفنية المتخصصة في عروض الأداء والتجهيزات والفن المفاهيمي.

Ad

وبرزت أهمية غارم بقوة من خلال عمله {الرسالة} الذي باعه في مزاد {كريستيز} بقيمة 842 ألفاً و500 دولار، وبهذا الرقم أثبت أنه يمكن للفنان أن ينطلق من الشرق ويكسر المفهوم الذي يجعله يسافر إلى نيويورك، أو باريس لأجل الانطلاق من هناك.

 يتكون العمل من تركيب من الخشب والنحاس، بقطر يتجاوز ثلاثة أمتار، وطول يتجاوز المترين. وهذا العمل دفع الكاتب البريطاني هنري هيمينغ إلى تدوين كتاب عن غارم بعنوان {فن البقاء} صدر عن منشورات {بوث كليبورن}،  يتضمن الكتاب عرضاً لمسيرته الفنية منذ انطلاقته عام 2000، ويصف غارم بالفنان الاستثنائي في تاريخ الفن السعودي المعاصر، الذي لم يكتفِ بالعمل معزولاً في مرسمه، ومستقراً أمام المسند يحمل لوح الألوان، وإنما انطلق إلى الشارع، أو أي مكان يجد فيه فرصة سانحة لابتكار عمل فني، لأنه إنسان يقدّر قيمة الصدف، وهي صفة تقع في صميم ممارسته، إلى جانب اهتماماته الاجتماعية والبيئية. فهو ليس موجوداً للاحتجاج وحسب، أو لابتكار الجمال لأجل الجمال، وإنما يحاول اكتشاف الوديعة الجمالية الكامنة في واقع المسارات التي ينتجها.

 ومن أعمال غارم عرض أداء، فيه غطى بلفافة بلاستيكية شجرة من فصيلة كورنوكاربوس إريكتوس (Cornocarpus Erectus) احتمى بها طيلة اليوم يعتاش من الأوكسجين الذي تنتجه. وهو سعى بذلك إلى توثيق علاقة الإنسان بالبيئة المحيطة، والإشارة إلى استيراد هذه الأشجار غير المألوفة من أستراليا، والتي تلحق أضراراً بالغة بالأشجار المحلية، على رغم إنتاجها كميات هائلة من الأوكسجين. وحين قدم عرضه هذا للمرة الأولى في مدينة أبها السعودية ظن الناس أنه مجنون، ولكنهم سرعان ما بدأوا في تقصي حقيقة الأمر واكتشاف موهبة الفنان. وفي عمل فني آخر بعنوان {الطريق} قام غارم بتغطية حطام أحد الجسور بكلمة واحدة كررها عشرات ألاف المرات...

وكان دور غارم في تطوير جمهور للفن المفاهيمي داخل المملكة العربية السعودية محورياً. عندما بدأ لم تكن تتوافر مدارس الفن، فقط عدد قليل من المعارض المعاصرة لعرض عمله، لذلك كان رده أن تأخذه إلى الشوارع. ساعدت عروضه المبكرة في إلهام جيل جديد من الفنانين السعوديين لاتخاذ ممارساتهم من الاستوديوهات الخاصة بهم إلى الشوارع، وهو تطور في غاية الأهمية مما يشكل تحولا جذريا في الإنتاج الفني في السعودية.

ولد غارم في عام 1973 في خميس مشيط الواقعة بالقرب من مدينة أبها، وتلقى دروسه في قرية المفتاحة التشكيلية، قبل التحوّل من الرسم إلى فنون الأداء (بيرفورمانس). أسس مع صديقه الفنان أحمد ماطر {جماعة شتى} مطلع عام 2004، وفي عام 2008 عرضا أعمالهما في معرض {حافة الجزيرة العربية}، في غاليري {بروناي} في كلية الدراسات الشرقية في لندن، وأقيم المعرض بمشاركة 22 فناناً سعودياً، ضمن مبادرة تهدف إلى دعم الفنانين الشباب ليشكلوا جيلاً جديداً من الأصوات المبدعة العابرة للحدود. ثم انتقل المعرض بعد ذلك إلى بينالي فينيسيا، وعرضت هذه الأعمال أيضاً في برلين وإسطنبول ومدن أخرى.