عندما يسمح مرشد الثورة الإيرانية علي خامنئي لخمسة من التيار المحافظ المتشدد بخوض معركة الانتخابات الرئاسية الأخيرة، وعندما يتعمَّد، بعد منع هاشمي رفسنجاني من خوض هذه المعركة كمرشح للتيار المعتدل "الإصلاحي"، فَسْحَ المجال لمرشح واحد من هذا التيار هو الرئيس المنتخب حسن روحاني، فإن هذا يعني وبكل وضوح أن "الوليَّ" الفقيه تقصَّد إبعاد المتشددين، بعد تجربته المريرة مع محمود أحمدي نجاد، وإعطاء الفرصة للمعتدلين والإصلاحيين ليحتلوا موقع المسؤولية، هذا مع أنه موقع شكلي لا قيمة فعلية له في ظل وجود "معمم" كل شيء في يده وله عصمة الأنبياء.

Ad

والسرُّ في هذه الخطوة، بإفساح المجال لـ"إصلاحيٍّ" واحد ليخوض معركة الانتخابات الرئاسية بحيث يكون فوزه مضموناً في ظل تنافس خمسة من التيار المتشدد في هذه المعركة، هو أن أصحاب القرار في إيران، وعلى رأسهم علي خامنئي، قد أدركوا في ظل الأوضاع البائسة التي وصلت إليها بلادهم خلال الأعوام الثمانية الماضية، بوجود نجاد في موقع رئاسة الجمهورية، حاجتهم الشديدة إلى واجهة مقبولة لنظامهم داخلياً وخارجياً، تجنباً لانفجار شعبي هائل، إنْ هو حصل فإنه سيقلب الأمور رأساً على عقب، وقد يقتلع الثورة الخمينية من جذورها ولا يبقي لا على "الفقيه" ولا على ولايته.

إيران أصبحت بعد أربعة وثلاثين عاماً من حكم "الثورة" دولة معزولة ومحاصرة إقليمياً ودولياً، وأصبح الشعب الإيراني يعيش أزمة غير مسبوقة ويعاني مأزقاً اقتصادياً اقترب من حدود المجاعة، ومأزقاً اجتماعياً اقترب من حد الفوضى، وهذا أرغم الولي الفقيه على الاستجابة ولو بانحناءة غير كاملة للضغط الداخلي المتصاعد الذي قد يتفجر في أي لحظة، وأرغمه على الإتيان بواجهة يطل خلالها على العالم غير تلك الواجهة "المكشرة" المتوترة والمأزومة دائماً وأبداً التي استمرت خلال الأعوام الثمانية الماضية.

ولهذا فقد لجأ علي خامنئي إلى إبعاد التيار اليميني، المحافظ والمتشدد، بترك خمسة من رموزه يخوضون معركة الانتخابات الرئاسية وليُكسِّر بعضهم بعضاً لضمان فوز روحاني الذي تم الترويج له داخلياً وخارجياً على أنه إصلاحيٌّ لا يقعقع له بالشنان وأنه سيملأ إيران عدلاً بعد أن امتلأت جوراً، وأنه سينفض عن التجربة الخمينية البائسة، فعلاً وحقاً وحقيقة، غبار الثلاثة عقود وأكثر الماضية، وسيعيد إليها بعض ما كانت تتمتع به من انفتاح على الداخل والخارج قبل عام 1979.

المعروف، إنْ لدى الإيرانيين وإنْ لدى العالم كله، الذي يراقب إيران من الخارج، أن حسن روحاني هو من ذات نسيج عباءة علي خامنئي ومن ذات نسيج عمامته السوداء، وأنه كان رئيس برلمان هذه الدولة، التي أُدخلت خلال ثلاثين عاماً وأكثر في متاهات قاتلة وفي حروب بلا نهاية، كما أنه كان أحد كبار المفاوضين في ملفها النووي، وكل هذا بالإضافة إلى أنه كان ممثل الولي الفقيه في المجلس الأعلى للأمن القومي، وحتى الآن لا يزال يرأس مركز الأبحاث الاستراتيجية في مجلس تشخيص مصلحة النظام، وهذا يؤكد أن رئيس الجمهورية الإسلامية الجديد هو ابن هذا النظام، وأن دوره سيقتصر على مجرد تحسين صورة حُكْم الملالي، إنْ بالنسبة للأوضاع الداخلية وإن بالنسبة للأوضاع الخارجية.

يُقال: "تفاءلوا بالخير تجدوه"، ولعل هذا هو ما جعل هناك ترحيباً كبيراً عربياً ودولياً بفوز حسن روحاني وجعل هناك من يراهن على أن توجهات الشعب الإيراني بعد معاناة أكثر من ثلاثين عاماً قد تدفع رئيس الجمهورية الجديد إلى التسلح برغبة الأكثرية الشعبية في بلده، ليتجاوز مجرد محاولة استخدامه كغطاءٍ مخملي لهذه السياسة الإيرانية الكريهة، ولتجعله يتحلى بشجاعة نادرة يواجه بها فعلياً سطوة الولي الفقيه ويحقق إصلاحاتٍ، وإن محدودة في الداخل والخارج، تضع إيران في المدى الأبعد على بداية طريق التخلص من هذه المرحلة الطويلة المظلمة التي أوقفت تطور دولة عظيمة عند لحظة تاريخية سابقة وعزلتها عن شعبها وعن مجالها الإقليمي وعن المسيرة الحضارية الكونية.

هل هذا ممكن بالفعل وهل سيصلح العطار ما أفسدته العقود الثلاثة وأكثر من السياسات المدمرة الخاطئة؟ أبداً، وها هي تجربة خاتمي، الذي سبح ضد تيار المتشددين الجارف طويلاً ولم يحقق أي شيء على الإطلاق، تؤكد أنه لابد من حسابات دقيقة قبل المجازفة والقول إن مجيء حسن روحاني إلى موقع رئيس الجمهورية سيضع إيران على بداية طريق جديد!