حالة من الحزن خيمت على الشعب العربي بعد رحيل الزعيم القومي جمال عبد الناصر الذي قاد الأمة العربية إلى ذروة مجدها في القرن العشرين، وخلّف وراءه أحلاماً لم تكتمل ومشاريع لم تنفذ، إلا أن الأهم في ميراثه كان، بلا شك، الأمل في النفوس الذي زرعه بشخصيته ومشروعه العريض، لذلك لم ينكسر المشروع برحيل صاحبه، فقد ترك خلفه الآلاف يحملونه في وجدانهم، من بينهم سيد مكاوي الذي قرر أن متابعة مشروع الزعيم بالفن.

Ad

عاد الشيخ سيد إلى حالته الإبداعية، وقدّم أعمالاً، سواء من خلال تلحين أغانٍ للمطربين والمطربات، أو تلحين مقدمات غنائية للمسلسلات الإذاعية، والصور الغنائية، فضلاً عن تقديم ألحان للمسرح الغنائي، في وقت كانت الإذاعة تبث أعماله بشكل دائم، فأعادت إذاعة حلقات «من نور الخيال وصنع الأجيال» التي كتبها له فؤاد حداد، كذلك «الرباعيات» التي كتبها صلاح جاهين.

بعد أشهر من رحيل صاحب فكرة بناء السد العالي ومشروع النهضة المصرية؛ جمال عبد الناصر، انتهى بناء السد، فكتب الشاعر فؤاد حداد أغنية يحيي فيها الحاضر الغائب، باكتمال مشروعه القومي، لحنها الشيخ سيد وغناها:

حي معايا الخطوات

حي مصر الفلاحين

تولد مصر الأسطاوات

حي معايا الخطوات

يا فجر الأيام الهادي

يا شرفي وحبي وجهادي

يا ولدي يا ضي ولادي

يا واقف في الخط الأول

لليوم اللي يتم الآية

وحياة المجري اللي أتحول

وحياة الحق اللي معايا

حي معايا الخطوات

يا ورد مفتح في صواني

يا زندي وعندي وصواني

يا قلب الطين الأسواني

حي معايا الخطوات

يا قايم على رأس فدانه

من نسمة تشوش في ودانه

والقمح يضرفله عيدانه

حي معايا الخطوات

يا نجفي ومدت أسلاكه

يا شعب وحاكم أملاكه

يا ولادنا بكرة محلاكوا

حي معايا الخطوات

الحلم

عاد صلاح جاهين من رحلة علاجه في الاتحاد السوفياتي يحمل الأمل والتفاؤل إلى صديق عمره سيد مكاوي، وبشرى لم يكن هو نفسه يتوقعها، كما لم يتوقعها الجميع، حول إخراجه من نفق مظلم عاش فيه سنوات، وهي إمكانية أن يعود إليه بصره:

* أنت بتقول إيه يا صلاح؟ كلام إيه دا؟!

= زي ما بقولك. كل الدكاترة الروس أكدوا لي أن دي عملية مضمونة لأنها متجربة... عن طريق زراعة قرنية عين شخص مبصر.

* أيوا يا خويا كلام حلو... بس اجيب منين العينين الحية المبصرة دي.. أهو بكره الجمعة... ننزل أنا وأنت سوق الجمعة نشوف لنا عنيين حلوين كدا على ذوقك. بس أمانة عليك يبقوا عنيين خضر.

= سيبك من التريقة والهزار أنا بتكلم جد يا أبو السيد.

* جد مين يا عم صلاح. هجيبهم منين العينين دول؟!

كانت والدته تقف على مقربة منهما تسمع الحوار الدائر بينهما، فانطلقت كالسهم:

- العينين موجودين... كلم الدكاترة يا صلاح وقلهم العينين موجودين خليهم يحددوا معاد العملية.

انتفض سيد مكاوي من مقعده واتجه ناحية صوت أمه:

* عينين إيه الموجودين يا أمي.

- عينيا أنا... أنا هيدلك عنيا علشان يرجعلك بصرك.

* كلام إيه دا اللي بتقوليه يا أمي... دا مستحيل يحصل. قفل على الكلام دا يا صلاح... ما فيش كلام من دا... مش ممكن مستحيل.

= كلمهم يا صلاح يا بني... هيعمل العملية يعني هيعمل العملية... يمكن ربنا مد في عمري علشان أصلح غلطتي... أنا اللي كنت السبب في ضياع عينيك لما سمعت كلام الجهل وأنا على نيتي ما عرفش حاجة... لحد ما عينيك ضاعت.

* دا كلام ما لوش لازمة دلوقت يا أمي الموضوع دا فات عليه زمن... وأنا خلاص اتعودت ع الضلمة... مش محتاج أشوف دلوقت.. وبعدين أنا خسرت عينين اتنين ربنا عوضني عنهم بكل العيون اللي حوليَّ... أنا بشوف بعينكم كلكم.

- يا ابني اسمع كلامي...أنا خلاص كبرت... وإن عشت النهاردة مش هعيش بكرة... يعني كدا كدا ميتة... لكن أنت لسه أيامك جاية... مش بس علشانك... علشان الناس اللي بتحبك... وعلشان فنك وولادك ومراتك... كمان علشان تشوفني...أنت مش طول عمرك كنت بتقوللي كان نفسك تشوفني... أهي الفرصة جت أهي علشان تشوفني.

لم تحسم هذه الليلة القرار بين سيد مكاوي ووالدته حول إجراء الجراحة، بل استمر الشد والجذب أياماً، حتى أجمع كل من حوله على تأييد قرار والدته، سواء الأشقاء أو الأصدقاء أو المحبين، وأمام هذا الإصرار غير العادي، رضخ الشيخ سيد لقرارهم، ووافق على الخضوع للجراحة، وأجرى التحاليل اللازمة له ولوالدته، وأرسلت إلى الأطباء في الاتحاد السوفياتي الذين أرسلوا البشرى بان التحاليل إيجابية وهم في انتظار المريض والمتبرع.

تم استخراج جواز السفر له ولوالدته، والحصول على التأشيرات، وتحدد اليوم التالي لسفرهما. لم ينم الشيخ سيد ليلته، كان يفترض أن يذهبا إلى المطار في السابعة صباحاً، فظل مستيقظاً طوال الليل، لم يصدق أن بينه وبين حلم الأبصار ركوب الطائرة وعدة أيام بعد الجراحة، ويعود إلى مصر وجمهوره العربي مبصراً، غير أنه لم يتصور أن تقدم والدته هذه التضحية الكبيرة لأجله.

لا لن يقبل بهذه التضحية، حتى لو بقي في عمر والدته يوم واحد، لن يحرمها من نور بصرها، فإذا اعتاد الظلام لن يحكم عليها أن تعيش فيه بقية عمرها.

تضحية إلى الأبد

تحسس الشيخ سيد الحقيبة التي وضع فيها الأوراق الخاصة بالتحاليل والمخاطبات مع الأطباء الروس، وجوازي سفره هو ووالدته، ومزقها كلها، ليفاجئ الجميع بما فعله، وإصراره على رفض الجراحة حتى لو كان الثمن التضحية بنور البصر مرة أخرى، طالباً ممن حوله إغلاق باب الحديث في هذا الموضوع بشكل نهائي.

كان صلاح جاهين قد انتهى من كتابة السيناريو والحوار والأغاني لفيلم «خللي بالك من زوزو»، بطولة سعاد حسني التي آمن بموهبتها، فأراد أن يوظف طاقاتها الإبداعية التي لم تكن اكتشفت بعد في فيلم، غير أن عقبات وقفت في طريق إنتاجه، ولولا جهود صلاح وسيد مكاوي وسعاد حسني وبقية فريق العمل، لما رأى الفيلم النور، وهو قصة حسن الإمام و وإخراجه.

 ولضمان نجاحه شارك في بطولته إلى جانب سعاد حسني الوجه الجديد حسين فهمي، ومعهما الفنانة الأسطورة تحية كاريوكا، والوجه الجديد منى قطان، زوجة صلاح جاهين، والمطرب شفيق جلال ونبيلة السيد.

 كتب فيه صلاح أغنية «يا واد يا تقيل» من ألحان كمال الطويل، و{الفتاة المثالية» من ألحان إبراهيم رجب، أما سيد مكاوي فلحن أغنيتين: «خللي بالك من زوزو» غناها شفيق جلال وسعاد حسني، و«استنى» غنتها سعاد حسني وحسين فهمي والمجموعة:

اسسس

استنى استنى استنى

في ناس تعرفهم جدا جدا

عايزينك

حزر فزر مين هن

زوزو

صح صح برافو عليك

زوزو

صح وملك إيدك

غلط الناس حواليك وشايفينك

الله الله

الله الله ع الحب الحب

محلاه محلاه الحب الحب

الحب

عقبالكو كدا ما تطبوا

وتبقى حياتكوا قصة حب

عقبالنا كدا ما نطب وتبقى حياتنا

قصة حب

الله الله

يا سلام الله الله

استنى هنا يا شقية

رايحة بدوا على فين

هتهنى لي شوية

أنا فاضية محاضرتين

أوكيه

اتهني اتهني اتهني

على طول على طول على طول

واتهنا اتهنا اتهنا

يا عريسنا يا قيمة وسيما

وعرض وطول

مرسيه

خللي بالك من زوزو

زوزو النوزو كوانوزو

خللي بالك خللي بالك

خللي بالك من زوزو

مولد أميرة

بعودة روح صلاح جاهين التفاؤلية، عاد التفاؤل إلى سيد مكاوي، غير أن ما زاد من تفاؤل جاهين وسعادته انتظاره لحدث سعيد، فبعد بلوغ ابنته الأولى إيناس عامها التاسع، رزقه الله بابنة ثانية أطلق عليها اسم أميرة، شعر بأنها جاءت في الوقت المناسب، لتعيد إليه روحاً كان افتقدها في السنوات القليلة الماضية، وتحمل معها الخير الوفير، فراح يحدث الأصدقاء والمقربين عن هذا الإحساس الجديد الذي ولد مع أميرة، فكتب له صديقه محمد زكي الملاح أغنية أهداها للأميرة أميرة لحنها الشيخ سيد على الفور من مقام «بياتي»:

أميرة لكن أمورة شغلتني وشغلت بالي

يا مصور صور صورة دي هنايا وحبي الغالي

أميرة لكن أمورة يا مصور صور صورة

أمورة يا ست الحلوين مين زيك في جمالك مين

لففتيني وراكِ بلاد وقلوبنا كان بينها ميعاد

أصل أنا مغرم صبابة وسهاري الحب غلابة

وأنتِ اللي اختارك قلبي يا أميرة يا أمورة

أميرة لكن أمورة يا مصور صور صورة

وعالرملة تمشينا ساعات وحكينا أجمل حكايات

وفرحت بحبك وبقول خلي الفرحة تدوم على طول

وأصل أنا مغرم صبابا وسهاري الحب غلابة

****

كأن الصحافة أعادت اكتشاف الشيخ سيد، مع ما يقدمه من أعمال جديدة، وما تعيد الإذاعة بثه، فراح النقاد يكتبون عنه بشكل مختلف كأنهم تنبهوا فجأة إلى وجوده بينهم، فكتب الكاتب الصحافي والناقد الكبير رجاء النقاش مقالاً عن الشيخ سيد، يوضح من خلاله أهمية هذا الموسيقار، وما قدمه للموسيقى العربية بعد سيد درويش وزكريا أحمد، ثم تساءل في نهاية المقال عن سبب عدم غناء كوكب الشرق أم كلثوم من ألحان الموسيقار المبدع حتى الآن!

كان سيد مكاوي يتمنى ذلك، خصوصاً بعد التجربة الأولى التي أوجدت بينهما سوء تفاهم، غير أن حياءه وخجله وعزة نفسه منعته من أن يتصل بأم كلثوم ليقول لها: «عندي لحن كويس لك»، وهو الملحن الكبير الذي لا يقل في مكانته الفنية عن زملائه الذين تغني من ألحانهم كل عام، وعلى رغم انتظاره الطويل وعشقه لغنائها، خصوصاً مع العملاقين رياض السنباطي ومحمد عبد الوهاب وتقدم العمر به وبأم كلثوم من دون أن يلتقيا ولو في أغنية واحدة، إلا أنه لم يفعل ذلك، حتى بعدما قرأت له زوجته ما كتبه رجاء النقاش.

الصعود إلى القمة

لم تقرأ أم كلثوم ما كتب رجاء النقاش، لكن قرأه المحيطون بها، ففاجأها اثنان من كبار فرقتها الموسيقية، عازف القانون الأول محمد عبده صالح، وعازف الكمان الأول أحمد الحفناوي، يطلبان منها أن تقرأ المقال الذي كتبه رجاء النقاش:

= إيه دا في إيه... انتوا عندكم حاجة عايزين تقولوها ولا إيه؟

- أيوا يا ست الكل... شوفتي المقال اللي كاتبه رجاء النقاش دا؟

= مقال إيه... عني؟

- لا عن الشيخ سيد مكاوي.

= وأنا اسمي سيد مكاوي يا حفناوي... ما تروح تديه لسيد.

- لا ياست الكل... الأستاذ رجاء خاتم المقال هنا بسؤال مهم... بيقول أنا مش عارف ليه أم كلثوم لحد دلوقت ما غنتش لسيد مكاوي ليه؟

تناولت أم كلثوم الجريدة، قرأت المقال، وما فيه من عبارات مديح للشيخ سيد، ما أضافه إلى الموسيقى، فابتسمت وأعجبها المقال، فأمسكت بسماعة الهاتف وهاتفت رجاء النقاش:

- أهلاً أهلاً ست الكل... إيه المفاجأة الجميلة دي؟

= المفاجآت أنت اللي بتعملها يا أستاذ رجاء... بكلامك الجميل النهارده عن سيد مكاوي.

- والله يا ست الكل ما في شبهة مبالغة ولا مجاملة واحدة في المقال... والراجل دا يستحق أكتر من كدا... وأنا فعلا مندهش ليه لحد دلوقت ما حصلش تعاون بينكم.

= خلاص يا سيدي وأنا هزيل دهشتك... ومستعدة للتعاون معاه النهارده.. وأنا صادقة في دا فعلاً... بلغه الكلام دا على لساني.

- بس لو سمحتي لي يعني.. هتبقى أجمل لو أنت اللي اتصلتي بيه بنفسك وطلبتي منه دا... هو يستحق دا فعلا... هيحس أنك مقداره كملحن.

كان تكليف كوكب الشرق أم كلثوم لأي ملحن على ساحة الأغنية بإعداد أغنية لها، يعتبر شهادة ميلاد رسمية لهذا الملحن، وكان مجرد سماع صوت أم كلثوم عبر أسلاك التلفون تطلب واحداً من الملحنين وتبدأ ممازحته بطريقتها المعهودة، وانتهاء هذه المكالمة بطلبها أن تسمع آخر ما عنده من ألحان أو تطلب منه قراءة قصيدة أو الاتصال بشاعر معين أو مؤلف أغان بعينه، بمثابة اعتراف حقيقي بأن موهبته قد نضجت، كذلك ألحانه بحيث تتناسب والصوت القمة في ساحة الطرب.

 واعتراف أم كلثوم بموهبة الشيخ سيد لم تولد مع هذا المقال الذي كتبه رجاء النقاش، لكنها جاءت قبل عشر سنوات من هذا التاريخ في أغنية «أنساك» التي لم تكتمل، لكنها وجدت أن ما كتبه رجاء النقاش يمكن أن يكون فرصة لتجديد التعاون، وإن كان هذا اللقاء أتى متأخراً، إذ تخطت أم كلثوم السبعين من عمرها، لكن المهم أن يحدث.

أمسكت أم كلثوم الهاتف واتصلت بالشيخ سيد، وقبل أي كلام أو سلام أو عبارات ترحيب بادرته على الفور:

= إيه... عقلت ولا لسه؟

* طب ليه كدا يا ست الكل... أهو أنا كنت عاقل لحد دقيقة واحدة فاتت... المكالمة دي بقى هي اللي ممكن تجنني

= ما فيش فايدة فيك... هتفضل زي ما أنت... تقلب الجد هزار في أي وقت

* لا حقيقي ما تعرفيش مكالمتك دي عزيزة عندي أد إيه... كأني كسبت النهارده مليون جنيه.

= أيوا بس انت لو عملتلي لحن مش هتاخد فيه مليون جنيه.

* حتى لو عملته ببلاش... كفاية أني ألحن لكوكب الشرق أم كلثوم

= طب يلا عندك حاجة تسمعهالي؟

* لا... بس إذا كنا هنعمل حاجة يبقى الأستاذ رامي...

= خلاص أقعد مع رامي شوف عنده إيه.

* طب قبل ما أقفل معاكِ «ست الكل» بتاعتي أنا نفسها تكلمك... أم سيد عايزه تسلم عليكِ.

ناول الشيخ سيد سماعة التلفون لوالدته لتسلم على أم كلثوم، وتشكرها على هذا التقدير الكبير لابنها، مؤكدة لها، بعفويتها، أنها ستغني معه كما لم تغن سابقاً.

لم يضيع الشيخ سيد الوقت، ذهب من فوره إلى الشاعر أحمد رامي، للبحث في ما يمكن أن يقدماه، فلم يكن لقاء واحد، بل لقاءات عدة، يكتب رامي خاطرة، ثم يقولها للشيخ سيد، فيبدي إعجاباً بالغاً، ثم يتابع رامي الكتابة، ويتلو ما كتبه عليه، وبتكرار هذا الفعل، فهم الشيخ سيد أن رامي عندما يكتب بيتاً، أو شطراً ويعجبه فيقوله للشيخ سيد، وعندما لا يعجبه يظل صامتاً حتى يعدله، فبعد هذا التاريخ الطويل بات من اليسير على رامي أن يعرف ماذا تريد أم كلثوم.

فوجئت أم كلثوم بعد جلسات مطولة بين رامي وسيد مكاوي بأن في حقيبته لحناً جديداً بعدما كانت ستطلب منه أن يستعدّ للبحث عن كلمات يلحنها لها، فإذا به يفاجئها بأن اللحن جاهز والكلمات. استمعت أم كلثوم من سيد مكاوي إلى مطلع الأغنية الجديدة الذي يقول فيه رامي «ما خطرتش على بالك يوم تسأل عني»، فانبهرت بكلمات الأغنية، وباللحن الذي وضعه الشيخ سيد، غير أنها صدمت عندما وجدته يضع شروطاً لتوزيع اللحن:

= كلام إيه يا شيخ سيد... أزاي بس... يا أخي دا أنت واحد من اللي بيدعو للتجديد... تقوم تيجي عايز ترجعنا لورا... الدنيا بتطلع لقدام وتتطور ولا بترجع لورا.

* لا طبعا بتطلع لقدام... بس مين قال إن «الأورغ» و»الغيتار» ممكن يطلعونا لقدام... ولا مين قال أصلا بأنهم دليل تطور.

= الدنيا كلها اللي بتشتغل بيهم دلوقت يا شيخ سيد.

* الدنيا كلها حاجة... وإحنا حاجة ياست الكل... دي آلات غربية... تنفع في «الأرتام» الغربية... لكن الموسيقى بتاعتنا مش محتجاهم... وحتى لو محتجاهم لازم يكون فيه بديل عربي.

= أزاي بس يا شيخ سيد.

* بصراحة أنا ضد اللي بيدخلوا الآلات دي على الغنا الشرقي، ويغيروا بيها طعمه المميز، الغناء الشرقي وأنت ست العارفين، لازم يكون له الطعم بتاعه، ما يكونش شبه حد، تسمعه أي ودن أجنبية فتعرف أنه غناء مصري... أو غناء عربي... إحنا مثلا لما بنسمع أغانيهم نعرف على طول أن الأغنية دي مش عربية... طب ليه نمسخ أغانينا وتراثنا الشرقي الأصيل، في الوقت اللي هم بيدوّروا على السحر والخيال في موسيقتنا... سيادتك مثلا أنت والأستاذ رامي أدوني سبب واحد لنجاح مطرب زي أونريكو ماسياس غير أنه بيقدم لون شرقي فيه سحر الشرق، أو ليه واحد زي الموسيقار الروسي الكبير كورساكوف كل أعماله اللي نجحت واشتهرت وسمعت الدنيا كلها... هي اللي اعتمد فيها على أساطير «ألف ليلة وليلة».

= أيوا بس دول بصراحة بيعملوا روح مختلفة في الموسيقى وبيحيوا اللحن.

* أولا اللحن والحمد لله حي مش ميت... ثانيا صوت أم كلثوم لوحده مش محتاج أصلا لا موسيقى ولا آلات.

= أقنعتني يا أبو السيد... طب بالمرة بقى أنا مش مستطعمة الجملة اللي بتقول «لما الهوى جمع قلبين على الوداد والحنيه».

* أيوا وأنا كمان كنت عايز أقول للأستاذ رامي كدا.

= طب شوف إيه رأيك لما نخليها «فين حلاوة حبك فين.. فين الوداد والحنية».

صمت الشيخ سيد قليلا... ثم صاح:

* الله يا ست... الله عليك... هي دي.

(البقية في الحلقة المقبلة)