{الهند أم العجائب}... فردوس المتطوعين وضالتهم بجدارة!
 رحلة داخل مهد الحضارات والتراث الإنساني والتناقضات الحادة (1)

نشر في 25-09-2013
آخر تحديث 25-09-2013 | 00:01
 أروى الوقيان لمن شاهد فيلم Eat, Pray And love من بطولة النجمة جوليا روبرتس، ويتمحور حول امرأة تملك مقومات الحياة العصرية وزوج محب، ورغم ذلك تشعر بأنها تعاني خواءً روحانياً، لا تعرف ماذا تريد من هذه الحياة. انفصلت عن زوجها وقررت البحث عن ذاتها، فكانت الهند إحدى الوجهات التي قصدتها... ربما عانت أثناء هذه الرحلة إلا أنها ساعدتها في التعرف إلى نفسها.

كنت أعلم، منذ قالت لي صديقتي سارة إنها ومجموعة من الشابات والشبان المتطوعين سيذهبون في رحلة تطوعية إلى الهند وقررت الذهاب معهم، أنها ستكون رحلة مؤثرة، وربما ستكون فعلياً إحدى أهم الرحلات التي قمت بها على الإطلاق، وستساعدني على اكتشاف جوانب جديدة في شخصيتي.

لم أكن أبحث عن ذاتي بقدر ما كنت أبحث عن الإنسان في داخلي الذي لطالما خشيت أن أفقده، في ظل طغيان الحياة المادية وسطوتها علينا. لم تكن فكرة السفر إلى الهند جديدة، فهي تخامرني منذ فترة طويلة وتحمست لها، لذا وجدتني أندفع بالموافقة الفورية بمجرد أن اقترحت سارة الفكرة، لأقول لها: «أنا حريصة كل الحرص أن أكون معهم»!

من هي سارة؟ سارة التميمي مؤسسة مجموعة «إم إيه دي»MAD التطوعية، فتاة في الثانية والعشرين من عمرها، تدرس الطب في إيرلندا، لكنها تنظم في كل عام، بمعاونة سعد المعصب، مسؤول الإعلام والعلاقات العامة في المجموعة، فعالية تطوعية، أو أي نشاط يصبّ في مصلحة الإنسان وأعمال الخير.

أنشطة كثيرة قامت بها المجموعة، فقد نظمت في رمضان زيارات لمرضى السرطان، لمشاركتهم تجربتهم وتوزيع هدايا لإضفاء لحظات من الأمل والسعادة والتقارب الإنساني معهم. ولصغر الكويت وقلة الأماكن التي يمكنك ممارسة أنشطة التطوع فيها، فقد التقينا في ذلك اليوم مع ثلاث مجموعات تطوعية تقوم بالعمل نفسه، ما جعلني أؤمن فعلاً بأن رحلة الهند ربما ستحمل لي الكثير من المفاجآت.

سجل إجرامي

لم تكن إجراءات السفر إلى الهند بالسهولة التي كنت أتوقعها، فقد أجرت السفارة الهندية مقابلة شخصية معي لأنني صحافية، وحاول الموظف اقناعي، بشتى السبل وبأسلوب لطيف، بأن هذه الإجراءات تندرج ضمن الحرص على مصلحتي الشخصية، وطلب مني كتابة تعهد بأنني لن أمارس اي عمل صحافي أثناء وجودي في الهند، وفُرض علي دفع مبلغ مضاعف، وطبعوا ورقة خاصة لي، وبعد عناء وقبل السفر بأيام قليلة، استلمت فيزا لا تتجاوز مدتها شهراً واحداً!

تنفست الصعداء، لكن كانت أمامي إجراءات أخرى معلقة، من لقاحات وأوراق وشهادات من الأدلة الجنائية طلبتها مؤسسة (IVHQ) الدولية التي جرى الاتفاق معها على تنظيم برنامج التطوع، للتيقن من أن المتطوعين لا سجل إجرامياً لهم... وبدا طلبهم منطقياً... وأخيراً حلّ يوم السفر بعد عناء ومهام وإجراءات متوقعة وغير متوقعة!

رحلة منهكة

كانت مجموعة MAD اتفقت مع مؤسسة (IVHQ) العالمية في الهند لتنظم لنا برنامجاً تطوعياً شاملاً يتضمن زيارة ملاجئ للأيتام، التدريس في مدارس هندية في مناطق فقيرة ومعوزة، المشاركة في أنشطة تطوعية بأحد المراكز الصحية العامة، لا سيما أن كثراً من المشاركين في رحلتنا التطوعية إلى الهند كانوا من الطلبة الكويتيين الدارسين للطب في ايرلندا...

وبعد رحلة منهكة واختلاف في التوقيت يزيد على الساعتين ونصف الساعة، وصلنا إلى مطار دلهي، واستقبلنا مؤسس البرنامج العالمي للتطوع (IVHQ) أنناتا كومار الذي يحمل ملامح هندية مميزة مشوبة بخليط نيبالي، حسبما قال لي إذ تعود أصوله إلى أعراق مختلطة هندية نيبالية.

ولأن المشاركين في الفريق التطوعي كان عددهم 16 متطوعاً فقد تسببنا، من دون أن نقصد، في أن يبقى السيد كومار ساعات طويلة في طوابير لشراء خطوط هاتف هندية لنا، مع ذلك لم تفارق الابتسامة وجهه رغم طول الانتظار.

طباع سمحة

أثناء انتظار الإجراءات وخطوط الهاتف التي دامت ساعات، لمحت شاباً بملامح أوروبية خالصة: عينان زرقاوان وشعر أشقر، لكن بدا على وجهه الإرهاق الشديد، فاستفسرت منه: هل أنت معنا في فريق التطوع؟ أجاب: نعم... وصلت منذ ساعات من برلين، وأنتظركم لنذهب سوياً إلى منزل الضيافة الذي سيستقبلنا كمتطوعين. ورغم الإرهاق وساعات الانتظار المملة لم تبدُ عليه أي بادرة تذمر، وعلت وجهه ابتسامة لم تفارقه، يا لصبره وروحه المتسامحة... أشك أن مثلها موجود لدى أي منّا، خجلت من مدى تحملهم لرطوبة الجو في الخارج وانتظارنا لساعات من دون تذمر واستقبالنا بابتسامة!

back to top