خرج ملف التنقيب عن النفط واستخراجه في لبنان من إطاره التقني – الاقتصادي، ليدخل في دائرة السجال الإعلامي على خلفية الصراع السياسي الدائر في لبنان بين مشروعي قوى "8 آذار" و"14 آذار". وقد احتدم الصراع في شأن الملف النفطي خلال الأسبوعين الماضيين في ضوء مطالبة وزير الطاقة جبران باسيل الذي يمثل التيار الوطني الحر في الحكومة المستقيلة بعقد جلسة للحكومة تقر خلالها مراسيم تلزيم التنقيب للشركات التي تنطبق عليها دفاتر الشروط التي تمت على أساسها عمليات استدراج العروض.

Ad

وعلى الرغم من أن خلافات تعصف بالفريق الواحد في شأن حجم التلزيمات بين التيار الوطني الحر المؤيد للتلزيم على مراحل ورئيس مجلس النواب نبيه بري المؤيد للتلزيم دفعة واحدة، فإن الصراع الأبرز يكمن في الخلافات بين "قوى 8 آذار" و"قوى 14 آذار" حول اعتبارات دستورية وسياسية عدة أبرزها:

1- رفض "قوى 14 آذار" أي اجتماع للحكومة المستقيلة من منطلق اعتبارها ان تلزيم التنقيب عن النفط واستخراجه لا يصب في خانة المفهوم الضيق لتصريف الأعمال، وبالتالي اتهام "قوى 8 آذار" بأنها تسعى الى تعويم الحكومة المستقيلة وإيجاد سابقة بتوسيع مفهوم تصريف الأعمال على نحو يسمح لها بالتحكم بتشكيل الحكومة الجديدة ويعطيها ورقة ضغط وابتزاز سياسي تستخدمها لفرض شروطها على التركيبة الجديدة تحت طائلة إبقاء الوضع الحكومي على ما هو عليه.

2- اتهام "قوى 14 آذار" للتيار الوطني الحر بأنه يسعى للاستفادة من الوقت الضائع بين استقالة الحكومة وتشكيل حكومة جديدة لتمرير صفقات بأبعاد سياسية ومالية مشبوهة تصب في خانة التيار الوطني الحر ومعاركه لاستقطاب الرأي العام اللبناني عموما والمسيحي خصوصا. وتعتبر "قوى 14 آذار" أن وزير الطاقة جبران باسيل يتطلع الى الفوائد السياسية والمالية لعملية حرق المراحل في التلزيم أكثر مما يتطلع الى المصلحة الوطنية والاقتصاد القومي.

3- اتهام "قوى 14 آذار" لحزب الله بالسعي الى تحويل المناطق البحرية المرشحة لاستخراج النفط على الحدود البحرية الجنوبية الى مناطق متنازع عليها مع إسرائيل، بما يبرر استمراره في الاحتفاظ بسلاحه في ظل شعور لدى الحزب بأن السقوط المحتمل لنظام الرئيس السوري بشار الأسد ولو بعد حين من شأنه أن يسقط ورقة مزارع شبعا التي يستخدمها الحزب لتبرير الإبقاء على سلاحه بعدما تعهدت المعارضة السورية بتزويد الحكومة اللبنانية بالمستندات اللازمة التي تثبتى ملكية لبنان لهذه المزارع على النحو الذي يسمح بتقديمها الى الأمم المتحدة التي تطالب بها كشرط لإلحاق المزارع بالقرار 425 ومطالبة إسرائيل بالانسحاب منها.

4- تمضي "قوى 14 آذار" في اتهاماتها لخصومها بتسييس الملف النفطي اللبناني بالتشديد على أن الثروة النفطية يجب أن تستخدم في سداد ما يقارب الـ60 مليار دولار من الديون المترتبة على الدولة اللبنانية، في حين أن سياسة حزب الله وحلفائه باستخدام ملف التنقيب عن النفط في الصراع مع إسرائيل وتبرير احتفاظ حزب الله بسلاحه من شأنهما أن يؤديا الى مزيد من الحروب التي تدمر لبنان وتجعل من عائدات النفط تذهب لإعمار ما تهدم بما يبقي نمو الدين العام على ما هو عليه من وتيرة. كما أن احتفاظ الحزب بسلاحه من شأنه أن يبقي الأوضاع الداخلية في لبنان في حالة من عدم الاستقرار السياسي والأمني بما ينعكس سلبا على الدورة الاقتصادية، وهو ما يؤدي الى تحويل عائدات النفط من ثروة واعدة لتنشيط الاقتصاد الى مزراب جديد من مزاريب الهدر التي يعانيها لبنان.

5- وعلى غرار اتهام "قوى 14 آذار" لحزب الله وحلفائه بالعمل على إلحاق لبنان بالمنظومة السياسية والعسكرية والأمنية الإيرانية – السورية، فإن هذه القوى تتهم خصومها في "8 آذار" باستغلال ملف التنقيب عن النفط واستخراجه لربط لبنان بالمنظومة المذكورة اقتصاديا على قاعدة استكمال وضع اليد على لبنان. فالمعروف أن الاقتصاد والمال هما أساسان رئيسيان من أسس القرارات والتوجهات السياسية، ولذلك فإن "قوى 14 آذار" تتخوف من أن يكون حزب الله بإيعاز إيراني يسعى الى جعل حقول الغاز اللبنانية جزءا من المنظومة الاقتصادية الإيرانية التي تخفف عن طهران ذيول العقوبات الاقتصادية إذا مضى الغرب قدما في تطبيقها على إيران، على الأقل لناحية إيجاد مصادر جديدة ولو غير مباشرة لتمويل الحزب في ظل الحرب العربية – الأوروبية – الأميركية الهادفة الى تجفيف مصادر تمويله في افريقيا ودول الخليج العربي وأوروبا وأميركا اللاتينية والولايات المتحدة الاميركية وكندا وغيرها من الدول.