فشلت السينما المصرية طوال العامين الماضيين في تقديم أفلام تعبر عن 25 يناير عام 2011، وأغلب الظن أنها ستفشل مُجدداً في التواصل مع ما استجد في الأيام القليلة الماضية؛ فما يحدث للوطن من تغيير يطاول الكثير من معالمه ومفرداته وأفراده شيء وما يسيطر على عقول كتابنا ومخرجينا ومنتجينا ونجومنا، ويحرك قراراتهم، شيء آخر!
من هنا جاءت الأفلام، التي قيل إنها ترصد ثورة 25 يناير، سطحية وباهتة، و{تركب الثورة} بأكثر مما تواكبها، ولا هدف من ورائها سوى {المتاجرة} بالحدث لتحقيق أرباح طائلة، وإن لجأ أصحابها كالعادة إلى {المراوغة}، عبر الإدعاء بأنها انطلقت من وازع وطني، وترجمة لتوجه إنساني نبيل، وهي التي كانت تحتاج إلى شهر أو شهرين قبل إصدار أحكام موضوعية أو تبني مواقف منزهة عن الهوى، فضلاً عن أن الأيام كشفت مزيداً من خبايا وأسرار قلبت الأمور، التي اعتبرها البعض مسلمات، رأساً على عقب.لم يحدث شيء من هذا في النصف الثاني من القرن العشرين؛ بدليل أن السينما المصرية لم تغير مسارها، ولم تنقلب على نفسها، وتهرول في اتجاه تملق ثورة 23 يوليو 1952، وإنما احتفظت بحيادها وتنوعها، ولم تتغير توجهاتها، حتى أنجز المخرج أحمد بدرخان، بعد ثلاثة أعوام من الثورة، فيلم {الله معنا}، الذي أشار إلى إرهاصات الثورة، وفي العام نفسه واصل منتجون تقديم أفلام على شاكلة {سيجارة وكاس} و{ماحدش واخد منها حاجة}، ما يعكس حجم التنوع الذي كان حاصلاً فعلاً، كذلك الاستقلالية التامة التي كانت تتمتع بها الكيانات الإنتاجية، و{الليبرالية} أيضاً التي كانت سائدة آنذاك، وهو ما تكرر عقب العدوان الثلاثي على مصر عام 1956، الذي اقتربت السينما المصرية منه بعد عام من اندلاعه، عبر فيلم {بورسعيد} الذي قيل إن فريد شوقي أنتجه بتوصية من عبد الناصر، بينما قدمت السينما المصرية في العام نفسه أفلام: {حياة غانية} و{وكر الملذات} و{عشاق الليل}!صحيح أن عام 1957 شهد عرض فيلم {رد قلبي}، الذي تحول بمرور الأيام والأعوام إلى وثيقة عن ثورة 23 يوليو، إلا أن الحقيقة التي لا تقبل الجدل أن السينما المصرية ظلت تتمتع حتى نهاية الخمسينيات بإرادة حرة واستقلالية كاملة، بما يتيح لها اتخاذ القرارات التي تشاء من دون تدخل {حكومي} أو وصايا {رئاسية} أو {توجيهات عليا}، وبانتهاء تلك الحقبة أصبحت تؤتمر بتعليمات {فوقية}، وتوجه بأوامر رئاسية، حتى قيل إن آسيا أنتجت {الناصر صلاح الدين} بتوجيهات رسمية، وهو الأمر الذي تكرر مع يوسف شاهين في فيلم {الناس والنيل}. لكن ظاهرة {الأفلام الموجهة} بلغت ذروتها مع سنوات حكم الرئيس السادات، عبر أفلام اصطلح على تسميتها {أفلام مراكز القوى} ثم {أفلام الكرنكة}، وتسابق كتابها ومنتجوها لإظهار الولاء المطلق لنظام السادات، وتبرع كثيرون منهم بالحديث عن وقائع تخيلوها، وجعلوا من أنفسهم أمثلة حية للنفاق والانتهازية بينما تم التعتيم، بفعل فاعل، على أفلام مثل: {أغنية على الممر، أبناء الصمت، الظلال على الجانب الآخر، الخوف، العصفور، الحب تحت المطر، زائر الفجر، عودة الابن الضال}!على النهج نفسه من الانتهازية والمراوغة والمتاجرة بقضايانا الوطنية تعاملت السينما المصرية مع حرب أكتوبر عام 1973، التي تحولت، على أيدي الانتهازيين إلى أفلام مصنوعة بطريقة {القص واللصق}، وفشلت السينما المصرية {بنجاح عظيم} في ترجمة انتصارنا الحقيقي والنادر في تاريخ الصراع إلى واقع مرئي يتساوى مع ما تحقق بالفعل على أرض الواقع، ومن ثم جاءت النتيجة النهائية مخيبة ومخزية. فالحرب التي كسبناها بعد تفعيل خطة الخداع الاستراتيجي للعدو تحولت على الشاشة إلى خديعة غررت بالجمهور المصري نفسه، من خلال بضعة أفلام شوهت الحرب وتاجرت بها، وتبين في ما بعد أنها استهدفت استثمار المناخ العام السائد وقتها والمتاجرة بالنصر، بعد تحويله إلى ظاهرة أو موجة تركبها السينما المصرية، كمئات الموجات التي ركبتها، والظواهر التي تفننت في افتعالها ثم استثمارها كما فعلت في أفلام المخدرات والراقصات!هكذا فعلت السينما المصرية عندما تظاهرت بمواكبة الظرف التاريخي في تلك الفترة، وتعاملت مع حرب أكتوبر بصورة بشعة، وهو ما فعلته بالضبط عندما زعمت مجاراة المتغيرات التي أعقبت ثورة 25 يناير، وقدمت باقة من الأفلام التي تناولت {الثورة} من زاوية أساءت إليها وشوهتها، ما يجعلنا نضع أيدينا على قلوبنا خشية أن يتكرر الأمر مع أفلام 30 يونيو!
توابل - سيما
فجر يوم جديد: سينما تتاجر وتراوغ!
08-07-2013