منذ عدة سنوات أصدرت منظمة العفو الدولية تقريراً مفصلاً وناقداً للولايات المتحدة الأميركية حول تطبيقها عقوبة الإعدام، وحتى اليوم مازالت غالبية الولايات الأميركية تنفذها خلافاً للاتجاه الدولي. كما أن دولاً قمعية تلجأ إلى قتل مناوئيها ومعارضيها خارج نطاق القضاء في السر أو العلن. وعادة ما تحتج الدول، التي تمارس الإعدام، بحجة أنه رادع للمجرمين، إلا أن الدراسات أثبتت عدم صحة تلك الحجة، إذ لم تنخفض الجريمة، وبالذات القتل، في الدول التي تطبق الإعدام.
وينسحب ذلك أيضاً حتى على جرائم أخرى غير القتل، فمن نفس منطق الردع تم في الكويت تعديل قانون سنة ١٩٨٨، من تغليظ عقوبة تجارة المخدرات من المؤبد إلى الإعدام، إلا أن ما حدث هو العكس تماماً، إذ زادت تجارة المخدرات، بمعنى آخر فإن الإعدام لم يكن رادعاً، فمشكلة المخدرات أكثر تعقيداً من مجرد تغليظ عقوبة، فلها جوانبها الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والأمنية، ولن يحلها أو يخفف منها مجرد إجراء قانوني فحسب. وينطبق ذات الأمر على قضايا أخرى في المجتمع.ولذا كان أمراً مثيراً للاستغراب النمط الاحتفالي الذي تم فيه إعلان إعدام أكثر من دفعة من المحكومين بجرائم متعددة، على النقيض من الاتجاه الدولي الداعي إلى إلغاء الإعدام، فإن لم يكن الإلغاء ممكناً، لأسباب سياسية أو دينية، فذلك ممكن تفهمه، إلا أنه من الأجدى التقليل من ممارسته وقصره على جرائم القتل العمد، وبالتأكيد عدم الاحتفال والتلذذ به، وتقييد الصلاحيات الممنوحة للحكومات في قتلها للبشر بحجة حماية المجتمع، وهو مفهوم قابل للاستخدام في قضايا سياسية وغيرها.كانت احتفالية الإعدام الثلاثية غريبة على مجتمعنا، وكأن من بشرنا بها يريدنا أن نتعود على منظر الأجساد المعلقة المتهالكة والرقاب المتدلية، وإمعاناً في ذلك يظهر لنا المسؤولون يتضاحكون ويتناولون المشروبات، فالمسألة عادية جداً، وغداً ستكون مناسبة عائلية تذهب فيها العائلة للمشاهدة والاستمتاع، وربما تجرى حولها المسابقات، من يموت أولاً، في حين أن من يموت هو الإحساس في داخلنا، وكأنه لم يعد كافياً ما نشاهده يومياً من دماء وأرواح من حولنا.أن تضطر الدولة إلى إزهاق أرواح الناس أمر محزن، وهو دلالة على عدم قدرتها على منع حدوث المشكلة الأصلية، وهو مؤشر على العجز، فعلى ماذا تحتفلون يرحمكم ويرحمنا الله؟
أخر كلام
عندما تقتل الدول
08-04-2013