منذ انطلاقة الأحداث الدامية في سورية لم يكن الإعلام العالمي عموماً والعربي خصوصاً مهنياً ولا محايداً في نقل الوقائع ولا حتى في الجانب التحليلي، بقدر ما كان موجهاً ومحرضاً تبعاً للاستقطابات الإقليمية والدولية، مما أدى إلى سكب الزيت على نار الفتنة حتى بات الدم السوري يتاجر فيه بأرخص الأثمان والدولة السورية تحولت إلى ركام جرف العمق الحضاري لهذا البلد العريق.

Ad

وكان الترويج الإعلامي يحاول أن يلمّع الجيش الحر باعتباره الوسيلة الوحيدة القادرة على حسم المعركة بإسقاط النظام، ويبرز انتصاراته الميدانية بشكل منظم ومكثف لإعلانه البديل القادم والذراع العسكرية لائتلاف المعارضة.

أما الحقيقة المغيبة فلم تكن كذلك إطلاقاً، فالجيش الحر ومظلة الائتلاف المعارض كانا مجرد واجهة لتبرير الدعم السياسي الإقليمي والدولي لسببين على الأقل: أولهما، الغطاء الوطني السوري لجبهة المعارضة وانتزاع الشرعية الشعبية لها، إضافة إلى اعتبار الجيش الحر أيضاً نواة للمؤسسة العسكرية القادمة في سورية وفرض سيطرته على وحدة البلاد في حال الوصول إلى السلطة.

ما كان يدور على أرض الواقع من تقدم ميداني والسيطرة على القرى والأرياف المحيطة بالمدن الرئيسة مثل حلب واللاذقية ودير الزور حتى حدود دمشق، لم يكن على يد الجيش الحر إنما من الجماعات الدينية المتطرفة ومن المقاتلين الأجانب الذين تقدر أعدادهم بعشرات الآلاف ومن دول آسيا وإفريقيا المختلفة حتى أوروبا.

لم تجرؤ الدول الغربية على الاعتراف بهذه الحقيقة لأنها كانت تمثل حرجاً كبيراً لها أمام شعوبها ولا توفر لها شرعية التدخل المباشر خصوصاً عبر الآلة العسكرية، إذ يعتبر ذلك دعماً مباشراً لجماعات «القاعدة» و»النصرة» و»جيش الشام والعراق»، وبالتأكيد سوف تكون اليد العليا لها في مستقبل سورية، وبالنتيجة مصدر إزعاج جديد للغرب والولايات المتحدة.

إن تردد الغرب وانقسامه على نفسه في توجيه ضربة عسكرية إلى النظام السوري يكشف بوضوح اكتفاء أميركا وحلفائها لتغيير موازين القوة ضد حكومة بشار الأسد قبل محادثات جنيف القادمة، ولعل هذا ما تنبهت إليه مختلف أطراف المعارضة خصوصاً المسلحة أخيراً.

يبدو أن فشل مشروع إسقاط النظام بشكل رسمي دفع القوى المسلحة إلى مواجهة بعضها بعضا، كما بينت الحقيقة أن من يسيطر على الكثير من الأراضي السورية هي «جبهة النصرة» و«جيش الشام والعراق»، وقد بدأت هذه المجموعات بطرد الجيش الحر من مناطق نفوذهم تمهيداً لإعلان إمارة إسلامية، ولو على جزء من سورية والعراق.

لذا فإن البكاء على الدم السوري طوال السنوات الثلاث كان مجرد إعلام محرض، فالدم المهدور اليوم بين نفس الحلفاء يبدو أنه ليس سورياً وحتى إذا كان كذلك فأصبح عديم الثمن حتى إعلامياً!