مفارقة بوسطن
![بروجيكت سنديكيت](https://www.aljarida.com/uploads/authors/176_1682431716.jpg)
أما تيمور لنك، الملاكم البارع إلى حد جعله قريباً من التحول إلى الاحتراف، فكان متزوجاً من امرأة مسيحية أميركية اعتنقت الإسلام وأصبحت ملتزمة بتعاليمه مع زوجها. وتقول باتيمات سوليمانوفا، عمة الأخوين تسارناييف في داغستان، إن ابن أخيها الأكبر لم يلتزم بالصلاة قط قبل ذهابه إلى أميركا في سن ستة عشر عاما". وهي ترى أن تحول تيمور لنك إلى التطرف صُنِع في أميركا. وفي الأساس، لا تختلف قصة هذين الشابين عن قصة حركة "الذئاب المتوحدين" التي نشأت في الداخل، والتي يشعر أفرادها من ذوي البشرة البيضاء عادة بالإحباط بنفس القدر، وهي الحركة التي كثيراً ما أراقت الدماء في الولايات المتحدة. والفارق هنا هو أن الرجال من ذوي البشرة البيضاء لا يلامون بشكل جماعي عن مثل هذه الفظائع. فلا أحد ينظر إلى آدم لانزا في نيوتاون بولاية كونيكتيكت، أو جيمس هولمز في أورورا بولاية كلورادو، باعتباره جزءاً من جماعة دينية أو عرقية "مشبوهة". وحتى عندما يشن رجال غير مسلمين من ذوي البشرة البيضاء هجمات إرهابية صريحة- على سبيل المثال، تيموثي ماكفي مفجر أوكلاهوما سيتي، الذي قتل 168 شخصاً في عام 1995، أو "مفجر أونا" تيودور كاتشينسكي- فإن جرائمهم يُنظَر إليها عادة باعتبارها قضايا معزولة ترتبط بفرض القانون، ولا علاقة لها بالإرهاب.وعلى النقيض من هذا، فإن المشتبه فيهم في ارتكاب أعمال إرهابية من ذوي البشرة الداكنة، وخاصة المسلمين، يعتبرون عملاء لمؤامرات أكبر تتطلب التدخل العسكري وتبرر انتهاكات حقوق الإنسان. وكانت الدعوة الأولية التي أطلقها العديد من أعضاء الكونغرس الأميركي لمحاكمة جوهر تسارناييف بوصفه "مقاتلاً عدوا" كاشفة في هذا السياق. ناهيك عن أن تسارناييف مواطن أميركي متجنس، وبالتالي فلا يجوز محاكمته أمام محكمة عسكرية، أو أنه اعتقل على أرض أميركية، وليس على أرض معركة.وبفضل تدخل الرئيس باراك أوباما فإن تسارناييف سوف يحاكم أمام محكمة مدنية، ولكن هذا لم يغير ميل الأميركيين إلى التعميم بشكل تمييزي عندما يتحدثون عن الشعوب والبلدان، والواقع أن القدح في جمهورية الشيشان وذمها كان سريعاً إلى الحد الذي جعل سفير جمهورية التشيك إلى الولايات المتحدة يشعر بالاضطرار إلى إصدار بيان يهدف إلى منع أي لبس بين الأميركيين حول تورط بلاده. وفي روسيا أيضا، كانت التداعيات ضارة للغاية، فظاهريا، يبدو هجوم تسارناييف وكأنه يبرر سياسات بوتين القومية التي يفرضها على شمال القوقاز، وهو يضفي قدراً من المصداقية على الحجة التي يسوقها بأن الحربين اللتين خاضتهما روسيا ضد استقلال الشيشان- من عام 1994 إلى عام 1996 ثم في عام 1999- خاضتهما باسم الأمن الوطني. وبهذا المعنى فإن تفجيرات بوسطن كانت بمنزلة هدية دبلوماسية له. ولكن الشيء الوحيد الذي يبدو واضحاً في هذه القضية القاتلة هو أن الشباب المعزولين أياً كان انتماؤهم الديني أو العرقي ربما ينقلبون إلى التمرد العنيف فجأة، ويبدو أن رفض جوهر تسارناييف على استحياء للحياة الأميركية المادية- فحتى بعد التفجير استمر في وضع التويتات، وحضور حفلات الجامعة، والذهاب إلى صالة الألعاب الرياضية- ترسخ بفعل ما كنا لنعتبره حقاً استياء شقيقه الأكبر من تأكيد بوتين الوحشي على فرض سيطرته على شمال القوقاز.ولكن في هذه الحالة، تبدو تفجيرات بوسطن وكأنها تمثل مفارقة، فعلى الرغم من اعتراض الأخوين تسارناييف على عجرفة وتكبر الدولة العلمانية، فإن هناك حساً آخر حيث قد يكونان محقين في أن روسيا والغرب لا يختلفان كثيرا. فتماماً كما يتعين على روسيا الآن أن تتعامل مع موجة متنامية من الأصولية التي غذتها سياساتها، فإن المسارعة إلى إدانة المسلمين في أميركا سوف تولد المزيد من الإبعاد والعزل، وبالتالي الانتقام من الداخل. وعلى أية حال، فإن الهجمات على قطارات مدريد في عام 2004، وعلى شبكة النقل العام في لندن في عام 2005، لم ينفذها مهاجرون سعوديون أو من طالبان، بل نفذها شباب ولد ونشأ في إسبانيا والمملكة المتحدة. ولأعوام بعد ذلك، كانت الولايات المتحدة تُعَد استثناء- فهي الدولة التي يشعر فيها الشباب، بصرف النظر عن خلفياتهم أو أصولهم، بأنهم في وطنهم حقا. بيد أن تفجيرات ماراثون بوسطن، مثلها كمثل العديد من أعمال العنف الجماعي، لابد أن تكون الآن كافية لتنحية هذا الرأي وإبطاله إلى الأبد.* نينا خروتشيفا | Nina Khrushcheva ، مؤلفة كتاب "تخيل نابوكوف: روسيا بين الفن والسياسة"، ومعلمة الشؤون الدولية في جامعة نيو سكول، وكبيرة زملاء معهد السياسات العامة في نيويورك.«بروجيكت سنديكيت» بالاتفاق مع «الجريدة»