الغرب واهم بشأن الشرق الأوسط
النظام الإيراني هو الداعم الأول لنظام الأسد والمجموعات الإرهابية المؤيدة للفلسطينيين، مثل «حزب الله»، والظل الخفي وراء نظام المالكي الفاسد في العراق، وحليف جماعة «الإخوان المسلمين» المفترض في مصر.
يقف الغرب مرة أخرى حائراً وعاجزاً أمام الفوضى الأكثر دموية التي يشهدها الشرق الأوسط، فتبدو الحماسة والأماني التي رحب بها الغرب بـ"الربيع العربي" قبل سنتين بعيدة كل البعد اليوم، فمصر تغرق في مستنقع من الفوضى المميتة، وتبتلع سورية كارثة أكبر, فيما يشهد لبنان عودة العنف مع تعرض حليف الأسد، حزب الله، لتفجير كبير، كذلك يلقى الآلاف حتفهم خلال الصراع الطائفي الذي يُعتبر من مخلفات الغرب في العراق بعد "تحريره". فضلا عن ذلك، تبدو "محادثات السلام"، التي تؤدي فيها الولايات المتحدة دور الوسيط بين إسرائيل والفلسطينيين، قاتمة.لعل المجال الأبرز الذي يتجلى فيه عجز الغرب عن فهم وقائع سياسات الشرق الأوسط موقفه الواهم من النظام الأقوى والأخطر، الحكم الثيوقراطي المستبد في إيران، فعلاوة على قمعه الشعب بعنف، لنظام طهران يد في كل مشكلة في المنطقة، فهو الداعم الأول لنظام الأسد والمجموعات الإرهابية المؤيدة للفلسطينيين، مثل "حزب الله"، والظل الخفي وراء نظام المالكي الفاسد في العراق، وحليف جماعة "الإخوان المسلمين" المفترض في مصر.
لكننا شهدنا في الآونة الأخيرة سذاجة الغرب اللامتناهية في تعاطيه مع إيران من خلال ردود فعل السياسيين ووسائل الإعلام تجاه انتخاب الرئيس حسن روحاني، الذي رُحب به بصفته سياسياً "معتدلاً" و"مصلحاً" قد يفتح الباب أمام علاقات أفضل بين إيران والغرب، خصوصا في المسألة الأكثر إلحاحاً: طموح إيران بأن تصبح قوة نووية.لكن ما لا يفهمه كثيرون في الغرب واقع أن روحاني، على غرار سلفه محمود أحمدي نجاد، ليس سوى واجهة للسلطة الفعلية في إيران، التي تتمحور حول شخص "القائد الأعلى" في البلد، آية الله علي خامينئي. صحيح أن روحاني كان أحد المرشحين الثمانية الأبرز (من أصل 800) الذين سمح لهم القائد الأعلى بالمشاركة في انتخابات متلاعب بها على نحو فاضح، إلا أنه طالما كان إحدى أدوات النظام الأساسية، فقد خدم في قلب جيشه وأجهزته الأمنية والاستخباراتية. في ثمانينيات القرن الماضي، كان روحاني نائب قائد القوات المسلحة الإيرانية، قبل أن يتبوأ طوال 16 سنة منصب سكرتير المجلس الأعلى للأمن القومي، وفي عام 1999، قاد عملية القمع العنيفة ضد انتفاضة طالبية كبرى، ملبياً بذلك، على حد قوله "أمراً ثورياً بسحق بقوة وقسوة أي خطوة يقدم عليها أولئك المنشقون". وبين عامَي 2003 و2005، قاد تلك المفاوضات النووية الشهيرة والعقيمة، متفاخراً (كما كشفت صحيفة Sunday Telegraph عام 2006) بأنه خدع الغرب "مستغلاً المحادثات مع بريطانيا، وألمانيا، وفرنسا ليمضي قدما بالبرنامج الذري السري". وبعيد انتخابه رئيساً في شهر يونيو، أوضح أن إيران لن توقف مطلقاً برنامجها النووي.كذلك أوضح روحاني أن إيران ستواصل دعمها جهود الأسد الدموية الرامية إلى إسكات الانتفاضة السورية. فوزير دفاعه الجديد، حسين دهقان، كان أحد مؤسسي الحرس الثوري- الذي يعادل جهاز "الاستخبارات السوفياتية" KGB في إيران- وهو الجهاز المسؤول (من خلال فيلق القدس) عن نشر الرعب في أرجاء الشرق الأوسط المختلفة. كذلك كان دهقان عام 1979 أحد المسؤولين عن حصار السفارة الأميركية واحتجاز 44 رهينة، أما وزير عدله مصطفى پورمحمدي، فأدى دوراً أساسياً في الثمانينيات في عملية قتل 30 ألف سجين سياسي انتموا بمعظمهم إلى حركة "مجاهدي خلق"، التي تشكل جزءاً من أكبر حركة انشقاق في البلد، المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية.منذ انتخاب روحاني، أُلقي آلاف الإيرانيين في السجن وشُنق العشرات، كثيرون منهم علانية، وذلك كتحذير لأي منشقين محتملين. رغم ذلك، يوصف هذا الرجل بـ"المعتدل" و"المصلح". في شهر يونيو الماضي، أخبرت مريم رجوي، رئيسة المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية، حشدا ضم مئة ألف منفي إيراني في باريس أنهم لا يستطيعون الاعتبار أن بلدهم يسير نحو "الاعتدال"، ما لم يُمنح الشعب حرية التعبير وحرية تشكيل أحزاب سياسية، ما لم يُحرر السجناء السياسيون، ما لم توقف إيران "تدخلها المتعطش للحرب في سورية والعراق"، وما لم تتخل عن رغبتها في أن تصبح قوة نووية، لكن الملالي لن يرضوا بالتأكيد بأي من هذا، على حد تعبيرها، لأنه يسم سقوطهم. نتيجة لذلك، يواصل النظام الأخطر والأكثر شراً تغلغله في الشرق الأوسط، ناشراً الخوف في الداخل والخارج، إلا أنه، رغم ذلك، يصور بطريقة خاطئة في الغرب، إذ يكثر الحديث عن حكومة جديدة "معتدلة" نأمل التعاون معها، خصوصا بشأن خططها لتطوير أسلحة نووية، التي سبق أن خدعنا فيها روحاني وينوي بالتأكيد أن يواصل خداعه هذا.Christopher booker