يتعلّم الناس من الكوارث، ووسط كل هذا الحزن والتخمينات المحيطة بتفجير بوسطن، لفت نظري أمران: رفض الإسراع في إصدار الأحكام في التعليقات الأميركية وغياب الشماتة في وسائل الإعلام العربية.

Ad

تحدثت التقارير الأولية عن أن طالباً سعوديّاً شاباً كان في موقع التفجير، أن شقته فُتّشت، أنه يعاني إصابة، وأنه موضوع تحت المراقبة في المستشفى، فظن كثيرون: "أننا نبدأ من جديد"، فما زالت ذكرى الشبان السعوديين الخمسة عشر الذين خطفوا الطائرات في 11 سبتمبر عام 2001 حية، إلا أن السلطات سرعان ما أعلنت أن الطالب السعودي شاهد، لا مشتبه فيه.

خلال عقد تقريباً يفصلنا عن اعتداءات 11 سبتمبر، أرسلت الحكومة السعودية عشرات الآلاف من الطلاب السعوديين في منح إلى الولايات المتحدة، وقد بدا العاهل السعودي، الملك عبدالله بن عبدالعزيز، متلهفاً لتخليص الجيل الجديد من سمّ الأصولية، الذي ابتلي به الجيل السابق الذي ظلّ في السعودية خلال سنواته الجامعية.

لا يُعتبر هذان تطورين بسيطين: حذرنا وغياب الخبث العربي. ولا شك أن مَن عاشوا منا وعملوا على الحد الفاصل بين الولايات المتحدة وعالم الشرق الأوسط الكبير، الذي يعكس القوة الأميركية ويهزأ بها في آن واحد، يشعرون بالراحة.

أحكام لا تُنسى

أذكر جيداً تفجير مدينة أوكلاهوما في شهر أبريل عام 1995، فقبل أن نواجه تيموثي ماكفي والإرهاب المحلي، شهدنا دفقاً من الأحكام،

والعبارات التي لا تُنسى والتي رُددت آنذاك: "يحمل هذا التفجير كل علامات الإرهاب الشرق أوسطي". تغذت هذه الشكوك على صدمة سابقة: الاعتداء الأول على مركز التجارة العالمي في نيويورك. فقد حمل عمر عبدالرحمن، داعية من أصول مصرية يُدعى "الشيح الكفيف"، الاضطرابات إلى الأراضي الأميركية، فوجد أتباعاً له في بروكلين بنيويورك ونيوجيرسي، وأعطى مبررات دينية لمن يواجهون المشاكل مع الأنظمة في بلدانهم الأم وفي الولايات المتحدة.

لكن ماكفي بسجله في الخدمة العسكرية، وشعره القصير، وخلفيته الأميركية البحتة، أثار معمعة في الحوار حول الإرهاب، وخصوصاً بعد أن تبيّن أننا نملك أمراضاً هنا في وطننا.

لكن العرب، الذين كانوا متلهفين إلى استغلال أعمال ماكفي، لتبرئة أنفسهم، لم يحصلوا حقّاً على الراحة، فقد استهدفت سلسلة من الأعمال الإرهابية المعادية للولايات المتحدة، والتي نفذها عرب ومسلمون، مجمّعات عسكرية، وسفارات، وحتى سفناً حربية أميركية. كذلك شن أسامة بن لادن، عربي عريق المولد من مدينة جدة يتمتع بموارد كبيرة "حربه الخاصة" على الولايات المتحدة.

لم يكلّ الإرهاب ولم يهدأ: تفجير مجمّع سكني عسكري في محافظة الشرقية في المملكة العربية السعودية عام 1996، اعتداءان مميتان على السفارتَين الأميركيتَين في تنزانيا وكينيا في صيف عام 1998، والاعتداء الوقح على المدمرة الأميركية كول في أكتوبر عام 2000، فيما كانت راسية تتزود بالوقود في عدن باليمن.

كانت طبول الحرب المناهضة للولايات المتحدة تُقرع بانتظام، فقد أعدّ جون برنز، مراسل "نيويورك تايمز" الموهوب، تقريراً من عدن عكس الخبث الموجه ضد الولايات المتحدة في تلك المنطقة: فما رآه هناك كان "إحساساً بالذهول متردداً غير واضح، فيه شيء من الرضا أو حتى المتعة، بأن يتمكن رجلان عربيان في زورق مزود بمحرك من إذلال بحرية قوة عظمى مثل الولايات المتحدة".

في الحادي عشر من سبتمبر، أطلق التصادم العربي الأميركي وحشًا. فقد عانت الولايات المتحدة الأميركية مأساة بدا للحظات أنها أسكتت أو حتى أحرجت طبول المعاداة للولايات المتحدة، لكن الحقيقة المرة تبقى أن العالم العربي لا يشعر بأي تعاطف مع الولايات المتحدة.

صحبة بائسة

فوجئت الطبقة المثقفة المؤلفة من رجال ونساء محترمين تعلموا في الولايات المتحدة مما حلّ بالولايات المتحدة، لكن الشارع العربي الشهير فرح، وعبّرت العائلات، التي يعمل أبناؤها وبناتها في مؤسساتنا المالية الكبرى، عن إحساس عارم بالرضا، ولا شك أن البائس يشعر بالراحة عندما يرى شقاء الآخرين. كان عالمهم يعاني. وربما فكروا في أننا سنتمكن في هذه الحالة من فهم مرارتهم ومشاركتهم فيها.

لكن الوضع اختلف اليوم، فقد بات الناس المرتاحون، الذين تجاهلوا تنظيم القاعدة سابقًا، يعتبرون المجاهدين خطراً يهدد كل ما يعرفونه. وصل الإرهاب إلى عقر دارهم: تحوّلت السيارة المفخخة إلى سلاح اختياري، ووصلت يد الإرهاب إلى المملكة العربية السعودية عام 2003 والأردن عام 2005، كما استهدفت بيروت قبل جيل. فأشعل المجاهدون حرباً سنية شيعية في العراق وما بعده، ففي العراق بحد ذاته، صار السنة، الذين رحبوا أولاً بمقاتلي القاعدة، يخشونهم بسبب القيود التي سعوا إلى فرضها على المنطقة الخاضعة لسيطرتهم.

صار المجتمع العربي المعتدل يخشى وهم الفضيلة والإرهاب الذي ينادي به جنود القاعدة، لكن ذلك الإحساس تجاه العنف الجماعي، وتلك المتعة الغريبة تجاه تفجيرات تل أبيب ونيويورك، أدت إلى رد فعل عكسي، فقد بدأت تأثيرات الإرهاب تظهر في العالم العربي.

نتيجة لذلك، بات الجميع اليوم ينظرون إلى الإرهاب نظرة صائبة. نترك للمحققين والمحترفين مهمة دراسة الأدلة، وندرك أن الإرهاب سيرافقنا دوماً، لكننا صرنا نمقت اليوم مَن يتقبلونه حين يصيب آخرين في دول بعيدة.

فؤاد عجمي Fouad ajami