طوابير البنزين، وتراجع العملة، وتراجع قطاع سياحي كان فخورا في الماضي، كل هذا يشكل خلفية قوية وراء إخراج الرئيس محمد مرسي من قبل العسكر في مصر، ويعطينا دليلاً على أن هناك متاعب كبيرة تنتظر خلفاءه.

Ad

تعمقت متاعب مصر المالية المزمنة بصورة خطيرة منذ انتخاب مرسي قبل سنة، ما جعل الحكومة الجديدة في حاجة ماسة إلى المال والإصلاحات الهيكلية ومجال الحركة الذي لم يكن من المرجح أن يتخلى عنه بسهولة المصريون الفقراء الذين نفد صبرهم.

وفي الوقت الذي تسعى فيه الحكومة الانتقالية، في ظل الرئيس الجديد، عدلي منصور، إلى فرض السلطة بعد أحداث الأربعاء غير العادية، سيكون من المهم تماما إنعاش الاقتصاد المشلول إذا أرادت الحكومة السيطرة على الجيشان السياسي التي أشعل الانتفاضة الأخيرة في مصر.

ارتباط السياسة بالاقتصاد

وقال أشرف سويلم، وهو اقتصادي وكان مستشاراً لعمرو موسى، وزير الخارجية الأسبق، أثناء سعيه الفاشل للرئاسة ضد مرسي في السنة الماضية: ''كان هناك عنصر اقتصادي واجتماعي هائل في كل هذا، ارتبطت السياسة بالاقتصاد قبل الأزمة وستستمر كذلك. لا يمكن الفصل بينهما".

وهذا التداخل التام بين حظوظ مصر المالية والمستقبل السياسي كان موضوعا من مواضيع رئاسة مرسي منذ أيامها الأولى حتى يومها الأخير، وقبل أيام فقط من الانتفاضة الأخيرة ضد مرسي هذا الأسبوع، أدى النقص المضني للبنزين إلى إيقاف تام لحركة المرور المشهورة باختناقاتها في مناطق من القاهرة، مع طوابير طويلة من السيارات عند محطات البنزين المختنقة في شوارع مليئة أصلاً.

وكان السائقون ينتظرون ساعات لتعبئة الوقود، ويطلبون الوجبات الجاهزة وهم في سياراتهم، وتندلع المعارك بين الناس حول من له الدور أولاً، وكان هذا صدى لغضب اقتصادي أوسع، في الوقت الذي أدى فيه التباطؤ في الاستثمار والسياحة والإنشاءات والخدمات والتصنيع إلى الإضرار بأرزاق ملايين المصريين الفقراء أصلا، وكثير منهم يعملون بـ"المياومة".

وفي الحي الفقير المعروف باسم "اسطبل عنتر" في القاهرة، وهو مساحة ضخمة من الأرض تكثر فيها الشوارع غير المعبدة، والانقطاع المتكرر للكهرباء، وغياب الشرطة، يشتكي السكان من تدهور واضح في حياتهم العصيبة.

مقارنة عمالية

وذكر صلاح أبو ياسر، وهو عامل كان يعاني في العثور على عمل في مجال البناء، ان حياته كانت أفضل في أيام حسني مبارك، مضيفا: "نحن نجوع الآن، ولدي سبعة أطفال. ليس لدي عمل ثابت. أنا أحمل الطوب إلى مواقع البناء، لكن ليس هناك من يبني أي شيء".

واشتكت جارته، سعاد سعيد، وهي أم لثمانية أطفال، من طوابير الانتظار الطويلة للحصول على الخبز المدعوم، حيث العدد اليومي المسموح هو عشرة أرغفة، وهو رقم ضئيل تماما، بحيث إنها عادت فورا لتقف ثانية في الصف للحصول على كمية أخرى، مضيفة: "صحيح أن مرسي لم تمض عليه مدة كافية في المنصب، لكن كان يجدر به أن يفعل شيئاً للناس لتشجيعهم على تأييده".

وكان وضع البورصة المصرية ناطقاً بما فيه الكفاية حول الحالة الاقتصادية لمصر، ووجهات النظر حول القيادة المالية في حكومة مرسي، ويجد المستثمرون أنفسهم الآن أمام وضع أطيح فيه بالحكومة المنتخبة على يد العسكر وإمكانية المزيد من أعمال العنف المميتة، ومع ذلك لم يتصرفوا بهلع، وإنما بالتأييد، واندفعت البورصة إلى الأعلى بسرعة، وتم تعليق التداول بعد أن تجاوز المؤشر الرئيسي المعدل اليومي المسموح به للتقلب وهو 5 في المئة.

وكانت الأرقام الاقتصادية الرئيسية كئيبة تماما حين تولى مرسي السلطة، وذلك إلى حد كبير بفضل الأوضاع الموروثة من نظام مبارك الذي دام 30 عاما، لكن في حالات كثيرة كانت أسوأ حين غادر المنصب، وتجاوز معدل البطالة 13 في المئة، وارتفع التضخم إلى ما فوق 8 في المئة، وانتفخ عجز الميزانية إلى نحو 13 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي.

مستوى منخفض

وهبطت احتياطيات مصر من العملة الأجنبية من 36 مليار دولار في يناير 2011 قبيل سقوط مبارك، إلى مستوى منخفض بصورة خطيرة، وهو 16 مليار دولار الآن، وهو مبلغ لا يزيد إلا قليلا على تكلفة ثلاثة أشهر من الواردات، وهي عتبة مهمة بالنسبة للإجهاد الاقتصادي.

ومن دون حقن المال من قطر وتركيا وليبيا، كان يمكن لهذا الرقم أن يكون حتى أسوأ من ذلك، وقامت وكالات التقييم الائتماني بصورة متكررة بتخفيض المرتبة الائتمانية لمصر وبنوكها، ما زاد تكاليف الاقتراض، وفي مسعى للمحافظة على العملة الصعبة، سمح البنك المركزي للجنيه المصري بالانزلاق مقابل الدولار نحو 10 في المئة منذ مطلع العام، ما ساهم في ارتفاع الأسعار.

وجاءت آخر نوبة من نقص الوقود إلى حد ما لأن مصر مدينة بنحو 8 مليارات دولار لشركات النفط العاملة في مصر، ما قيد من قدرتها على استيراد الوقود وتسبب في اختناقات متقطعة في إمدادات البنزين والديزل، وخلال الصيف كان المزارعون يخزنون الديزل الذي حصلوا عليه بأسعار السوق السوداء في بيوتهم، لأنهم لم يكونوا متأكدين من قدرتهم على العثور على الديزل ليحصدوا القمح.

كل هذا يعني أن حكام مصر الجدد سيكونون بحاجة ماسة إلى أصدقاء ماليين يستطيعون تقديم الدعم من النوع الذي قدمته قطر خلال عهد مرسي، التي صبت 8 مليارات دولار من المساعدات، وهناك بلدان مرشحان بوضوح، وهما السعودية والإمارات، اللذان رحبا بإخراج مرسي، في حين أن قطر نفسها ربما تشعر بأن الحكمة السياسية تقتضي تقديم المساعدة كذلك للحكومة الجديدة.

تأمين المال

وفي حين ان الأسئلة العالقة حول شرعية الإدارة المصرية الجديدة يمكن أن تُعقد الجهود الرامية إلى تأمين المال من المؤسسات المالية العالمية، بما في ذلك القرض المطلوب منذ فترة طويلة من صندوق النقد الدولي، ربما تكون هناك أيضا مساندة كافية عالمياً لدفع صفقة إلى مصر.

لكن المشكلة الأكبر هي الولاية القصيرة لحكومة تسيير الأعمال، وافتقارها إلى ولاية من الشعب المصري، ما يجعل من الصعب عليها إدخال تغييرات اقتصادية يستغرق تطبيقها وقتا، أو تكون مثيرة للاستياء الشعبي، أو كلاهما.

وفي الوقت الذي انتهت فيه أيام مرسي في فورة من الجيشان، كانت هناك تذكرة أخرى على شكل الغاز المسيل للدموع والمعارك بين الشباب والشرطة حول الفنادق السياحية المنتشرة بالقرب من ميدان التحرير، تُذَكر بالمدى الذي تعتبر فيه أزمة مصر السياسية مشكلة اقتصادية حادة متزايدة في الوقت نفسه.

وذكر مستشار وزير السياحة المصري، الذي احتفظ بقدر كاف من التفاؤل في ضوء أحداث الأربعاء الماضي على نحو جعله يتوقع أن السياحة ستعود في وقت متأخر من العام الحالي إلى مستويات 2010، "لم تتأثر كثيرا أعداد السياح في منتجعات البحر الأحمر، لكن التراجع كان هائلا في القاهرة وفي وادي النيل، وبطبيعة الحال اضطررنا إلى تخفيض الأسعار بنسب من 20 إلى 30 في المئة".

(فايننشال تايمز)