ما جرى في صيدا من اقتتال طائفي بين حزب الله وأنصار الشيخ السلفي أحمد الأسير، وحُشِرَ فيه الجيش اللبناني حشراً، وفقاً للعبةٍ مذهبية قذرة، سيأخذ البلد الذي ابتلي بهذا الموقع الجغرافي الغريب العجيب، إلى حربٍ أهلية جديدة، بات من الواضح أن نظام بشار الأسد بمشاركة إيران وحسن نصر الله يدفع لبنان إليها دفعاً لتحقيق ما كان هدد به مراراً وهو نقل الحرائق السورية إلى الدول المجاورة.

Ad

وصيدا، هذه المدينة التاريخية التي كانت ميناء بلاد الشام التجاري وبوابة سورية الكبرى بجغرافيتها القديمة نحو إيطاليا والغرب الأوروبي كله، كانت منطلقاً لشرارة الحرب الأهلية اللبنانية عام 1975 عندما سقط رئيس بلديتها الأسبق والشخصية الوطنية المرموقة معروف سعد برصاصة جندي لبناني، حين كان يقود تظاهرة احتجاج لصيادي مدينته التي تعتبر، بمصطلحات هذه المرحلة البائسة، جزيرة "سنيَّة" صغيرة تمر بها طرق جنوب الطائفة الشيعية.

كان مقتل معروف سعد برصاصة عسكرية لبنانية مجهولة ولاتزال مجهولة، مجرد الشرارة التي ألهبت حقلاً كان مهيئاً للاشتعال، فلبنان في عام 1975 وبدءاً ببدايات عقد سبعينيات القرن الماضي كان قد أصبح بمثابة مرجل شديد الغليان، وكان قد أصبح بمثابة لغم كبير ينتظر الانفجار فجاءت حادثة الاغتيال هذه لتشعل نيران الحرب الأهلية التي مزقت البلاد وشردت العباد واستمرت خمسة عشر عاماً ولايزال جمرها المتقد يعسعس تحت الرَّماد.

وما تجدر الإشارة إليه أن كل مجريات ما يحدث في لبنان حالياً يدل على أن هذا البلد الجميل، الذي قدر له أن يدفع، ليس من الآن ولا خلال القرن العشرين فقط وإنما منذ أربعينيات وستينيات القرن التاسع عشر، استحقاقات هذه المنطقة كلها، ذاهب إلى حرب أهلية جديدة انعكاساً لما يجري في سورية المجاورة هو أنه حتى حرب عام 1958 كانت شرارتها مقتل صحافي لبناني ربما عن غير قصد، لكن أسبابها الحقيقية كانت تكمن في تلك التوترات التي بلغت ذروتها في ذلك الصدام التناحري بين جمال عبدالناصر والمعارضين لتوجهاته وبخاصة بعد قيام الوحدة المصرية-السورية، وبعد الإعلان عن حلف بغداد الذي كان الرئيس اللبناني في ذلك الوقت كميل شمعون أحد أكثر المتحمسين والمؤيدين له.

إن هذا هو ما يجري الآن، فصِدام الجيش اللبناني مع الشيخ السلفي أحمد الأسير ومجموعته، الذي جاء امتداداً لمناوشات متصاعدة بين مجموعة هذا الشيخ وميليشيات حزب الله في منطقة تماسٍّ طائفي حساسة جداً، قد زاد التهاب لبنان التهاباً وجعل الحرب الأهلية، هذا إذا لم ترأف العناية الإلهية بهذا البلد وأهله، التي دأب النظام السوري وأتباعه وأعوانه على الترويج لها تحصيل حاصل.

لقد كان المفترض أنْ يتم، وفقاً لمقررات مؤتمر الطائف الذي انعقد في المملكة العربية السعودية وبمبادرة منها في الثلاثين من سبتمبر عام 1989، بسط سيادة الدولة اللبنانية على كامل أراضي لبنان، وهذا يعني أنه كان يجب إنهاء كون حزب الله دولة داخل الدولة اللبنانية، وبخاصة بعد الانسحاب الإسرائيلي من الجنوب اللبناني من طرف واحد في عام 2000 لكن هذا لم يحصل فكانت كل هذه التراكمات، التي سبقت اغتيال رفيق الحريري وعدد كبير من المسؤولين والوطنيين اللبنانيين المناوئين للهيمنة السورية على لبنان وبعد ذلك، والتي جعلت اندلاع حربٍ أهلية جديدة متوقفاً على مجرد شرارة صغيرة، وقد تكون هذه الشرارة ما جرى في صيدا في الأيام الأخيرة.