تتجمع الأحرف وتلتقي نقاطها وفواصلها وتذوب تحت إلحاح الضمة والشدة والتنوين، وعندما أتخيل نفسي رساماً للحروف في لوحات أبجدية مرسومة بفرشاة من القوسين والسكون، عندها أتهيأ لرسم من نوع آخر نوع يختلف في الفكرة والرأي، ويتعاظم أمام الزاوية أو العمود الصحافي الذي وضع في النسخة الورقية للجريدة.

Ad

ففي الحروف متشابهات كثيرة، وبعض الكلمات لا تفرق بينها إلا بزيادة أو طرح حرف أو حرفين، مثلاً هناك كلمات قريبة الشبه في النطق وحتى الكتابة مثل الفوسفات وهو نوع من المعادن، وهناك فسيفساء وهي نوع من البلاط السيراميك، وهناك علم راقٍ يُدرَّس في الجامعات هو الفلسفة، ولا ننسى كلمة عامية هي "الفسفسة" أي التبذير المبالغ فيه. وهي كلمات بطبيعتها قريبة في النطق لكن شتان بين معانيها... فالفارق في المعنى كبير وشاسع.

قد يقال إني "أتفلسف"، إلا أني في حقيقة الأمر لم يحصل لي الشرف لمعرفة الفلسفة، ولم يحدث قط أن صافحتها اليمنى باليمنى، فقط أسمع عنها إنما معرفة... "أبداً والله".

والعبد لله لا يعرف الفرق بين الفلسفة والفسفسة وإن كنت أظنهما متشابهتين، لأنه لا فرق عندي بين "فلسفجي" و"فسفسجي" فكلاهما واحد، وكلاهما له من الصيت نصيب... و"الصيت ولا الغنى"!

تذكرت أحد الأصدقاء ممن لا يعرف مثلي الفارق في المعنى بين الفلسفة و"الفسفسة" حينما علَّق، حفظه الله، على خبر المليار وربع من حكومتنا الكريمة إلى المغرب الكريم حيث قال لا فض فوه إن الموضوع كله "فلسفة على فسفسة"!

من عجائب الأمور، أن مادة الفلسفة رغم أنها مادة محترمة ومعتبرة وتدرس في الجامعات وهناك من يحصل على الدكتوراه بأطروحات فلسفية قيمة، فإنها أضحت سبّة في جبين أي فاشل!

فنحن العرب حينما لا يعجبنا كلام أحدهم نصفه بأنه "يتفلسف" أي أننا ننتقده ونستخدم لفظ "الفلسفة" كدليل على قصر نظره، وربما على غبائه في أسوأ الأحيان!

أقول قولي هذا وأمامي قهوة شقراء و"قدوع" من الخلاص الحساوي وأتامل السماء الصافية متسائلاً عن الفرق بين الفلسفة و"الفسفسة"!