يبدو أن مشاعر القلق ازاء سلامة طائرة بوينغ 787 الجديدة كانت موضع مبالغة كبيرة، وذلك لأن سلسلة الجوانب الفنية السيئة التي حدثت في الأسبوع الماضي لم تكن طفيفة في طبيعتها فقط بل إنها من النوع الذي يمكن اصلاحه بتكلفة بسيطة – وذلك في حال اكتشفت ضرورة لأي اصلاح في النظام الواسع، غير أن ذلك لا يعني خروج شركة بوينغ من المأزق.

Ad

لم يكن الأسبوع الماضي أحد أفضل الأسابيع بالنسبة الى بوينغ، فقد منيت الشركة المصنعة للطائرات بتراجع بلغ 7 في المئة من قيمة أسهمها نتيجة ثلاثة حوادث فنية منفصلة شملت طائرتها الجديدة نسبياً من طراز 787. وتمثل الحادث الأول في اندلاع حريق على متن طائرة الخطوط الجوية اليابانية وهي رابضة وخالية من الركاب على مدرج مطار بوسطن. وفي اليوم التالي اضطرت طائرة اخرى تابعة للشركة اليابانية ذاتها الى الرجوع الى البوابة بعد اكتشاف طياريها حدوث تسرب في الوقود وفي مطار بوسطن أيضاً. وتمثل الحادث الثالث في اضطرار طائرة بوينغ 787 تابعة لشركة خطوط أل نيبون في اليابان الى الغاء رحلتها عندما تلقى الطيارون رسالة تفيد بوجود خلل في نظام المكابح في الطائرة.

وبينما تثير حوادث الحريق على الطائرة وكذلك تسرب الوقود في نظامها الكثير من القلق – وخاصة في ضوء حساسية العامة ازاء المشاكل الميكانيكية على الطائرة – فإن طريقة تصوير تلك الحوادث أشاعت حالة غير ضرورية من الذعر بصورة عامة وبين المستثمرين أيضاً. وعلى سبيل المثال فإن التقارير الأولية التي صدرت عن المجلس الوطني لسلامة النقل أشارت الى أن الحريق اندلع في واحدة من بطاريتي الليثيوم – ايون على الطائرة، وهما تعملان فقط عند وجود الطائرة على المدرج وليس في الجو بشكل أكيد. وكان الحريق صغيراً ولم يبتعد سوى قدمين عن مصدره، ما يجعله أبعد من صورة نيران مستعرة في كوابيس الناس.

والبطارية المساعدة قد تكون تعرضت لزيادة في الحرارة نتيجة خلل في أسلاك التوصيل، وقد أشارت شركة خطوط يونايتد ايرلاينز وهي الشركة الأميركية الوحيدة التي تسير الطائرة الجديدة الى أن توصيلات بطارياتها من الليثيوم – ايون على متن واحدة من طائراتها الست الجديدة من طراز 787 لم يتم تركيبها بشكل ملائم. واذا تبين أن ذلك هو جذر المشكلة التي أفضت الى اندلاع الحريق فإن عملية الاصلاح سوف تكون رخيصة وسريعة.

ليست الأولى

وعلى الرغم من ذلك فإن هذه ليست المرة الأولى التي تتعرض فيها بوينغ الى متاعب في طائراتها « الثورية « الجديدة. وفي حقيقة الأمر فإن برنامج دريملاينر قد شابه العديد من الخلل والحوادث المؤسفة والمزعجة منذ انطلاقه قبل عقد من الزمن. غير أن مشكلات الماضي وكذلك حوادث الأسبوع الماضي كانت كلها ذات طبيعة ميكانيكية ولم تكن مرتبطة بالتصميم الراديكالي للطائرة. وفي حقيقة الأمر لو أن ادارة الطيران الفدرالية اشتبهت بوجود مزيد من الخلل في التصميم الأساسي للطائرة بأي صورة لكانت منعت كل طائرات 787 من الطيران. وعلى أي حال تجري تحقيقات في هذا الشأن في الوقت الراهن.

ويشكل هذا فارقاً مهماً لأن الخلل الميكانيكي يكون في العادة رخيصاً ويسهل حله فيما ينطوي الخلل في التصميم على امكانية مدمرة. وعلى سبيل المثال فإن وجود خلل في التصميم يمكن أن يجبر الشركة على استدعاء ما يقارب 49 طائرة من طراز 787 هي قيد الاستعمال الآن. كما سيعني أيضاً العودة الى قاعة الرسم – وهو مكلف للغاية – من أجل اعادة معايرة طائرة متأخرة أساساً 3 سنوات عن جدولها الأصلي في التسليم.

ولكن رغم عدم احتمال وجود خلل في التصميم فإن بوينغ قد لا تتمكن من الإفلات بسهولة. كما أن كل المشاكل الميكانيكية التي شوهت برنامج 787 عبر السنين أصبحت غير مبررة الآن. وكل الكلام عن أن الطائرة يجب أن تعالج «الخلل» أو انها تتعرض الى «متاعب طفيفة أولية» أصبح من الماضي. وهل في وسعك أن تتخيل قيام شركة صانعة للسيارات بإبلاغ المستهلكين أن الحريق وتسرب الوقود في سياراتهم الجديدة كان مسألة عادية لأنها جديدة وأنها ببساطة «تعالج الخلل»؟!

درس قاسٍ

المصدر الأصلي لما حل بطائرة 787 من تأخير ومصاعب فنية إنما يرجع الى خطة الشركة المدمرة ازاء الحصول على سبل لإنتاج الطائرة والبعض من تصميمها عبر العشرات من المتعهدين المنتشرين في شتى أنحاء العالم. وقد تعلمت بوينغ الدرس القاسي الذي يؤكد أنه من دون السيطرة على الأجزاء المهمة والحيوية من سلسلة امدادها وتموينها فإنها تعرض نفسها لعدد من القضايا المزعجة كالتأخير في التسليم على سبيل المثال. كما كان عليها التعامل مع قضايا التحكم في الجودة لأن القطع التي وصلت لم تكن من المستوى المطلوب كما أن قطعاً اخرى لم تكن ملائمة.

يذكر أن بوينغ استعادت السيطرة على عملية الإنتاج بصورة كاملة في الولايات المتحدة ولكنها لاتزال تعتمد على الموردين الأجانب مثل جي اس يواسا التي تصنع بطاريات الليثيوم – ايون لطائرة 787. وشركة بوينغ في حاجة الى تسريع اجراءات التأكد من الجودة في خطوط انتاجها الآن، وقبل أن ترفع انتاجها في هذه السنة الى 10 طائرات في الشهر. وإذا لم تحقق ذلك فإن هذه العثرات الصغيرة قد تضفي على الطائرة سمعة غير عادلة تصفها بأنها إخفاق بوينغ الكبير.

* مجلة فورتشن