«امرؤ القيس التركي»... الشعر ينبعث من الضريح

نشر في 15-02-2013 | 00:02
آخر تحديث 15-02-2013 | 00:02
أعلنت تركيا قبل سنوات اكتشاف موقع ضريح الشاعر الجاهلي امرئ القيس في أنقرة، ويقول باحثون إن الوثائق تثبت أن ما تبقى اليوم من حجارة وبناء قديم على تلة خضرلك يعود إلى الشاعر. وكان الأخير ذهب إلى القسطنطينية، بناء لنصيحة الغساسنة، لطلب النجدة من الإمبراطور البيزنطي ضد خصومه في الجزيرة العربية بعد مقتل والده أسد، وما كان من الإمبراطور، بسبب وشايات، إلا أن سممه عبر تلبيسه عباءة مسمومة ما لبثت أن قتلته في منطقة أنقرة ودفن فيها.
صدر كتاب تاريخي عام 2007 عن بلدية اسطنبول، أكد وجود قبر امرئ القيس في تلة هيديرليك، التي كانت تعرف أيضاً باسم تلة تيمورلنك. هلل كثر للضريح المفترض في فترة كان النظام السوري على علاقة وطيدة بالنظام التركي قبل أن يشتعل فتيل الحرب الأهلية في سورية، وأعدت تركيا مشروعاً لإعادة ترميم الضريح أملا في جذب السياح العرب وغيرهم من المهتمين بالتراث العربي. كأن تركيا أكثر مهارة من العرب في الاهتمام بأضرحة الشعراء فهي جعلت من ضريح جلال الدين الرومي أسطورة سياحية وتحاول أن تفعل الأمر نفسه مع امرئ القيس.

كان الروائي نديم غروسيل كتب رواية اتهمت بالتجديف ضد الذات الإلهية تتضمن فصلاً عن «فسق» امرئ القيس يأتي في سياق الحديث عن الجاهلية والإسلام والحاضر التركي... لا يهمنا من الرواية سوى الفصل الذي يتعلق بسرد تفاصيل حول امرئ القيس، وذهابه إلى القسطنطينية، المدينة الوحشية لأجل المغامرة الجنسية، بحسب الرواية، حيث هلك ضحية حبّه المفرط للجنس. وقد يتحول وجود ضريح امرئ القيس في تركيا إلى قناع لابتكار روايات أدبية كثيرة على نحو ما حصل مع الشاعر الفارسي عمر الخيام الذي بات مثل وهم تكتب عنه ألف رواية وقصة، ومن بينها «سمرقند» لأمين معلوف وهي اليوم مدار جدل في الوسط التركي بسبب موقف بعض المتشددين منها.

استلهم بعض العرب امرأ القيس في الأدب مثل محمود درويش وسعدي يوسف وعبد الرزاق الربيعي وعزالدين المناصرة وعبد الكريم برشيد في مسرحية «امرؤ القيس في باريس». على إن امرأ القيس الذي تهتم به تركيا اليوم ما زال موضع شك في الدراسات في كتاب «في الشعر الجاهلي» لطه حسين يبين كيف أن امرأ القيس، إن صحت أحاديث الرواة، يمنيّ وشعره قرشي اللغة، لا فرق بينه وبين القرآن في لفظه وإعرابه وما يتصل بذلك من قواعد الكلام. ويضيف طح حسين: «نحن نعلم أن لغة اليمن مخالفة كل المخالفة للغـة الحجاز، فكيف نظم الشاعر اليمني شعره في لغة أهل الحجاز؟ بل في لغة قريش خصوصاً؟ سيقولون: نشأ امرؤ القيس في قبائل عدنان وكان أبوه ملكاً على بني أسد وكانت أمه من بني تغلب وكان مهلهل خاله، فليس غريباً أن يصطنع لغة عدنان ويعدل عن لغة اليمن. ولكننا نجهل هذا كله ولا نستطيع أن نثبته إلا من طريق هذا الشعر الذي ينسب إلى امرئ القيس. ونحن بشك في هذا الشعر ونصفه بأنه منتحل».

هدم الأسطورة

الباحث فاضل الربيعي في كتابه «أبطال بلا تاريخ» يهدم أيضاً أسطورة امرئ القيس، الذي لطالما تغني الجميع بكلماته، ويؤكد أن امرأ القيس ليس شخصًا واحدًا، وإنما ثمة أكثر من شاعر يحمل الاسم نفسه، جمع الحفاظ والرواة قصائدهم ونسبوها إلى رجل واحد. ويسأل من هو امرؤ القيس: هل هو الشاعر ذو القروح أم الأمير المطالب بعرشه؟ هل هو الملك الضليل، أم الشاعر الأسير؟ هل هو الشاب الذي طلب دعم القبائل في شمالي الجزيرة العربية، فخذلته ولم يتمكن من الثأر لدم أبيه القتيل، أم هو الفارس الذي أوقع بهذه القبائل القتل والذبح؟ هل هو الكندي أم الحميري؟ الغساني أم ساكن الحيرة في العراق؟ هل هو جندح، أم عوف، أم مالك، أم عدي؟

في كل هذه الصور المتناثرة، يظهر امرؤ القيس الشاعر، فهو ملك وصعلوك وأمير وأسير وعليل وعاشق للنساء وزاهد متعبد وصديق للقيصر، وطبعًا سيكون أمرًا متعذرًا إلى النهاية تصديق هذه الصور كافة وقبولها على أنها صورة واحدة لشخص تاريخي واحد، اسمه امرؤ القيس بن حجر صاحب المعلقة الشهيرة «قفا نبك» وصاحب الديوان المعلقة المعروفة باسمه أيضًا.

ومن هذه الفرضية التي توصل إليها الربيعي انطلق مستمرًا في تحليله، وقال: «في أثناء بحثي الموسع في مادة قيس، عثرت على عدد آخر يرفع القائمة، فيمن يتسمون بامرئ القيس إلى ما يزيد على خمسة وعشرين شاعرًا عرفوا بأنسابهم وأشعارهم، وتسموا باسم امرئ القيس. تكمن أهمية هذه القوائم في رأينا في أنها ستمكننا من إعادة بناء الرواية التاريخية عن الشعر الجاهلي، وشاعره الأسطوري الأكبر امرئ القيس، ومن ثم الحصول على تصور أدق لهذا الجزء العضوي من تاريخ العرب القديم».

والسؤال، هل ينتج المستقبل «امرأ القيس تركياً» على هامش الترويج لضريحه؟

back to top