خميرة الإبداع!

نشر في 11-04-2013
آخر تحديث 11-04-2013 | 00:01
الإنسان يظل قادرا جدا على أن يصبح شيئا مذكوراً إن هو أراد ذلك حقا، فالأمر لا يرتبط ارتباطا محتما بالظروف المحيطة به، لأن كل الظروف، مهما كان شكلها وحالتها سلبا وإيجابا، يمكن تجاوزها، بل يمكن أن تكون هي نفسها العناصر البنائية الأولية لصناعة إبداعه، والتاريخ القديم والحديث مليء بالنماذج المبدعة.
 د. ساجد العبدلي لطالما كنت ممن لا يهضمون جيداً مسألة اهتمام كثير من الناس بالحياة الخاصة للمشاهير من الفنانين والرياضيين والشعراء وغيرهم من المبدعين، وحرصهم على تتبع أخبارهم الخاصة غير المرتبطة بشكل مباشر بنشاطهم الإبداعي عبر البرامج والمواقع والمجلات وصفحات الجرائد المهتمة بذلك، الأمر الذي جعل من المسألة صناعة وتجارة كبيرة حتى صار لها صحافتها الخاصة وأطقم صحافييها ومصوريها (الباباراتزي) وغيرهم.

 وكنت دوما أظن المسألة مرتبطة فقط بالفضول البشري المألوف، من باب أن أكثر الناس عادة ما يرغبون في معرفة الأسرار والجوانب الأخرى للأشياء والأشخاص، وهتك ستر حكايات الآخرين المخفية وبالأخص المشاهير منهم.

 لكنني وصلت مؤخرا إلى فكرة أن الناس لعلها تهتم بهذه الجوانب ليس من باب الفضول فحسب، إنما لأنها، وإن كانت في أحيان كثيرة بلا وعي وإدراك مباشر منها، تريد أن تتعرف على ذلك الجانب الآخر الخاص بهذا الشهير أو ذاك والذي أنتج صورته الإبداعية الظاهرة على السطح.

أظن الناس يريدون أن يتعرفوا على الخميرة الإنسانية التي نتج عنها مركب الإبداع الذي يرون، سواء كان فنا أو رياضة أو أدبا أو غيره. يريدون أن يتعرفوا عليه، ربما كي يقلدوه أو يفعلوا مثله فيضاهونه ليحصلوا على النتيجة الإبداعية فيلحقون بالمشاهير.

لكن الحقيقة التي يجب أن يعرفها الجميع هي أن الجوانب الخاصة بالمشاهير والمبدعين ليست على أحسن ما يرام دوما، وفي الغالب ليست بذات البريق والجمال الذي تظهر به صورهم الخارجية المنمقة المزوقة المبهرة، بل لعل فيها ما فيها من الآلام والمصاعب والعقبات والانكسارات والدموع أو الفتور والخمول والبرود، شأنهم في ذلك شأن غالب الناس على هذه البسيطة.

حسب المبدع أنه إنسان استطاع أن يتغلب على تلك العقبات والصعوبات التي في حياته، وأن يصمد أمامها فيتجاوزها واضعاً أقدامه في عالم الإبداع، لينتج ويقدم للعالم منتجاته الإبداعية بشكل من الأشكال الرائعة وبصورة من الصور المدهشة، بل إن هناك من المبدعين من جعل من مصاعب حياته وآلام أيامه ذاتها وقوداً لصناعة إبداعه، فكانت معاناته الشخصية مع المرض أو الأسرة أو المجتمع هي نسيج كتاباته مثلا، أو كان فقره وشقاؤه في صغره هما دافعه للتفوق والتميز، أو كان فراقه عن أهله أو عمن يحب هو جسره لبلوغ فنه، وهكذا.

خلاصة الفكرة هي أن الإنسان، أي إنسان، يظل قادرا جدا على أن يصبح شيئا مذكوراً إن هو أراد ذلك حقا، فالأمر لا يرتبط ارتباطا محتما بالظروف المحيطة به، لأن كل الظروف، مهما كان شكلها وحالتها سلبا وإيجابا، يمكن تجاوزها، بل يمكن أن تكون هي نفسها العناصر البنائية الأولية لصناعة إبداعه، والتاريخ القديم والحديث مليء بالنماذج المبدعة التي ولدت من أرحام مختلفة متفرقة، منها ما كان شقيا بائسا ومنها ما كان منعما هانئا، لكن الأمر المشترك دوما بين كل هؤلاء المبدعين هو أن جذوة الإبداع كانت متقدة في صدورهم، وهممهم عالية ورغباتهم في الوصول لا يحدها حد!

back to top