على خلفية المواجهة المثارة راهناً بين الولايات المتحدة وإيران، هل كان فوز الفيلم (Argo)، الذي يتحدث عن جواسيس أميركيين يتفوقون على الإيرانيين، بأوسكار أفضل فيلم هذه السنة جيدا للدبلوماسية أم مسيئاً لها؟

Ad

يختلف الجواب باختلاف مَن تسألهم. فقد اعتبرت الحكومة الإيرانية هذا الفيلم مجرد دعاية كاذبة مناهضة لإيران أو "دعاية لوكالة الاستخبارات المركزية الأميركية"، وفق شبكة التلفزيون التابعة للحكومة. فضلاً عن ذلك، قدمت ميشال أوباما جائزة الأوسكار هذه، وهذا مريب بما فيه الكفاية بالنسبة للإيرانيين.

ولكن بالنسبة إلى الشبان الإيرانيين الذين شاهدوا الفيلم على أقراص DVD غير أصلية، شكّل (Argo) فرصة للاطلاع للمرة الأولى على أزمة الرهائن بين عامَي 1979 و1980 من وجهة نظر أميركية.

يذكر جون لامبرت، أحد الرهائن الأميركيين الاثنين والخمسين الذين لم تهربهم وكالة الاستخبارات المركزية إلى خارج البلاد وأمضوا أكثر من نصف سنة في الأسر في طهران: "أرغم Argo الناس في إيران على مشاهدة مرحلة بشعة من ماضيهم، وهذا جيد على الأرجح".

لا يقتصر هذا الخليط من الأخبار السيئة والجيدة على هذا الفيلم، بل يمتد أيضا على كل العلاقة الإيرانية-الأميركية المعقدة.

تعقد إيران والولايات المتحدة وخمس قوى كبرى أخرى جولة جديدة من المحادثات بشأن برنامج إيران النووي. ومع أننا لا نتوقع تحقيق أي تقدّم يُذكر، يعتبر الدبلوماسيون إقامة هذه المحادثات بحد ذاتها خبراً جيداً نسبياً.

قدمت الولايات المتحدة وحلفاؤها لإيران اقتراحاً يقضي بالتخفيف بعض الشيء من العقوبات الاقتصادية (التي رفعت التضخم في إيران إلى ما يفوق الثلاثين في المئة)، مقابل أن توافق طهران على وقف تخصيب اليورانيوم إلى نسبة عالية، تنقل اليورانيوم العالي التخصيب إلى خارج البلاد، وتقفل محطة لتخصيب اليورانيوم كانت سرية في الماضي. لم تقبل إيران بهذا العرض، لكن موافقة الدبلوماسيين الإيرانيين على مناقشة فرض حدود على تخصيب اليورانيوم (أمر كانت حكومتهم تصر على أنه حق لا يُمس به) تشكل خطوة في المسار الصحيح.

حتى قبل بدء المحادثات، أقدمت إيران على سلسلة من الخطوات المتناقضة. فقد واصلت تخصيب اليورانيوم إلى مستوى يصلح للاستخدام في تطوير سلاح نووي. ثم أعلنت أنها حولت جزءاً من هذا اليورانيوم إلى وقود لمفاعل يصعب استخدامه لأغراض عسكرية. كذلك أعلنت أنها ستركب جيلاً جديداً من أجهزة الطرد المركزي لتخصيب اليورانيوم، إلا أنها وضعت هذه الأجهزة في محطة كانت مفتوحة أمام مفتشي الأمم المتحدة.

يذكر لامبرت، الذي أمضى 22 سنة كدبلوماسي أميركي بعد إطلاق سراحه من طهران وساهم في توجيه السياسة الإيرانية- الأميركية خلال الولاية الأولى لإدارة أوباما: "لا أعتبر ذلك تقدماً حقيقياً، بل أشبه بالسير في دوائر".

ولعل هذا أقصى ما يمكننا توقعه راهناً، نظراً إلى المأزق السياسي في طهران وواشنطن، فضلاً عن الضغوط المحلية التي يتعرض لها السياسيون في كلا البلدين كي يبدوا أشداء لا ضعفاء.

لاتزال إيران في المراحل الأولى من الانتخابات الرئاسية المقرر عقدها في 14 يونيو. ولا يتوقع أحد أن يقدم أي سياسي إيراني تنازلات كبيرة للغرب قبل انتهاء الانتخابات، تماماً كما لم نتوقع من الرئيس أوباما أن يقدم الكثير لإيران خلال حملته الانتخابية.

تواجه إيران أيضاً سياسات بيروقراطية في حكومتها. فيندد قادة الحرس الثوري المتشدد دوماً بفكرة التفاوض مع القوى الغربية، تاركين لدبلوماسيين مثل السفير الإيراني إلى الأمم المتحدة محمد خزاعي مهمة تطمين المسؤولين الأجانب إلى أنهم لم يعنوا ما قالوه.

وعلى رأس النظام الإيراني نرى القائد الأعلى، آية الله علي خامنئي، رجلا مازال يبدو شاباً رغم بلوغه الثالثة والسبعين، يكره الولايات المتحدة بشدة، ويتمسك بالثورة الإسلامية. ويشتهر رجل الدين والسياسة هذا بتردده.

لا شك في أن هذه ليست المكونات الفضلى لخوض مفاوضات معقدة، فهل من سبيل للمضي قدماً؟

يذكر توماس بيكرينغ، مسؤول بارز سابق في وزارة الخارجية الأميركية شارك في محادثات غير رسمية مع إيران (وظهر أخيراً مع محمد خزاعي في الجمعية الآسيوية في نيويورك): "من المهم البدء على نطاق صغير واتخاذ خطوات بسيطة لبناء الثقة".

لا تأملوا التوصل إلى اتفاقات كبيرة لافتة مع طهران، يكفي إعطاء المعارضين من كلا الطرفين ما ينتقدونه. علاوة على ذلك، يبدو أن احتمال عقد صفقة كبرى مع الولايات المتحدة يثير قلق خامنئي.

يمكننا تعلّم درس من الأشهر القليلة الماضية التي أقدمت فيها إيران على خطوات مشجعة خارج إطار المفاوضات الرسمية. يذكر لامبرت: "يجب ألا نصر مطلقاً على أن يقدموا التنازلات علانية. قد يتخذون خطوات نريدها، إلا أنهم لن يقروا مطلقاً بأنهم أقدموا عليها بسبب ما تعرضوا له من ضغوط". ويشدد لامبرت: "يجب ألا نستسلم. فالقضايا لن تُحل من المحاولة الأولى".

قد يتحول النصف الثاني من عام 2013 إلى نافذة واعدة للتعامل الدبلوماسي مع إيران. ففي تلك المرحلة، تكون الانتخابات الإيرانية قد انتهت. وسبق أن انتهت الانتخابات الأميركية. كذلك ساهم تحويل إيران اليورانيوم المخصَّب إلى وقود للمفاعل لا يصلح للاستخدام العسكري في تخفيف الضغط الإسرائيلي لاتخاذ خطوات حاسمة فوراً.

ولكن يكمن الخطر في تلك المرحلة في وقوع طهران في مأزق سياسي يضاعفه قادة متقلبون يترددون في قبول صفقة كبرى، نظراً للضغوط التي يتعرضون لها من نظرائهم المتشددين. وهل يبدو هذا الوضع مألوفاً؟

* دويل ماكمانوس | Doyle McManus