ينفخ الجو السياسي السام في مصر، والقادة المنقسمون، في لهيب الغضب الشعبي الذي يدفع البلاد بسرعة نحو الفوضى. فالمعارضة غير راغبة في تأييد أي تدابير تقشفية،  وبالنسبة إلى مرسي، تعد الطموحات الانتخابية لجماعة الإخوان المسلمين، مسألة جديرة بالاعتبار.

Ad

السلطات الإسلامية المصرية واقعة بين بدائل صعبة، فيما تتفاقم مشاكل البلاد الاقتصادية وتتراجع احتياطيات العملات الأجنبية، متسببة في تخفيضات في الوقود الحيوي للدولة وفي واردات القمح.

وتأمل الحكومة في إبرام اتفاقية قرض بقيمة 4.8 مليارات دولار مع صندوق النقد الدولي، لكن ذلك لن يتم إلا إذا وافقت على تدابير تقشفية قاسية تشمل خفض دعم الطاقة المسرف وزيادة الضرائب على سلع استهلاكية.

لكن أي شيء يزيد العبء على الفقراء الذين يشكلون أكثر من 40 في المئة من السكان، يهدد بإثارة رد فعل شعبي غاضب وعنيف وزيادة زعزعة استقرار مجتمع مضطرب أصلا، يتزايد فيه السخط والاحتجاجات.

وقال أشرف سويلم، وهو خبير اقتصادي ومستشار كبير في المجلس الوطني المصري للتنافسية: «هناك خطر كبير من عدم الاستقرار في حالة تنفيذ برنامج صندوق النقد الدولي، لمعالجة الوضع الاقتصادي الصعب من خلال إصلاحات مؤلمة». وأضاف: «هناك خطر على البلاد ونظام الحكم، لكن هناك خطر أكبر إذا لم تفعل مصر أى شيء (لتأمين القرض)». وتسبب النقص في البنزين خلال الأسابيع الأخيرة في طوابير طويلة داخل محطات تعبئة الوقود، ما أثار حالة من الضيق والغضب.

تدابير تقشفية

وينفخ الجو السياسي السام في مصر، والقادة المنقسمون بهدف إضعاف بعضهم بعضا، في لهيب الغضب الشعبي الذي يدفع البلاد بسرعة نحو الفوضى. فالمعارضة المهمشة من قِبَل الإسلاميين غير راغبة في تأييد أي تدابير تقشفية من شأنها أن تكلفها دعم الشارع. وبالنسبة إلى د. محمد مرسي، رئيس مصر الإسلامي، تعد الطموحات الانتخابية لحزب الحرية والعدالة، الذراع السياسية لجماعة الإخوان المسلمين، مسألة جديرة بالاعتبار.

وعلى الرغم من كونه أكبر حزب في البلاد، يرى حزب الحرية والعدالة أن الدعم الذي يحصل عليه يمكن أن يتراجع بالفعل، إذا ارتبط مرسي ببرنامج التقشف الذي يزيد من مشقة وعناء الفقراء.

لكن الفشل في التوصل إلى اتفاق مع صندوق النقد الدولي – الذي أصبح الآن أمراً محتملاً، لأن الصندوق كما فُهم لديه تحفظات بشأن قوة تدابير الإصلاح التي عرضتها مصر – يأتي أيضاً مع مخاطر جسيمة. فمن ناحية، تستورد مصر نحو 70 في المئة من احتياجاتها الغذائية، ومن ناحية أخرى تواجه الآن أزمة في احتياطي العملات الأجنبية الذي انخفض إلى 13.5 مليار دولار، وهو بذلك دون المستوى الحرج اللازم لتغطية الواردات لمدة ثلاثة أشهر.

ويشير محللون إلى أن قرض صندوق النقد الدولي سيوفر متنفسا تشتد الحاجة إليه - على الرغم من أنه ربما لا يكون كافياً - لأنه يفتح الباب للحصول على تمويل من مصادر خارجية أخرى بحيث تصل الحزمة الكاملة إلى 14.5 مليار دولار.

ويقول المحللون إن مصر من دون القرض لا تمتلك أي بديل واضح لتجنب الانهيار المالي، إلا إذا قرر الحلفاء الغربيون، مثل الولايات المتحدة، أنها «أكبر من أن تفشل».

وحتى الآن لا توجد مؤشرات على إنقاذ يأتي، على الرغم من أن مصدرا في وزارة المالية المصرية ابلغ «رويترز»، أن القاهرة تدرس عرضا للتوصل إلى قرض، مضيفاً أنه ليس بديلا عن اتفاق الـ4.8 مليارات دولار. وكانت قطر، الحليف الوثيق الذي تعهد العام الماضي بتقديم مساعدة بمبلغ خمسة مليارات دولار أميركي إلى مصر، اعلنت أنها لا تعتزم تقديم مزيد من التمويل في الوقت الراهن.

تراجع الاقتصاد

وجادل سويلم بأن مصر سمحت من خلال تأخير القرض مراراً وتكراراً – تم عرضه لأول مرة في عام 2011 – بتراجع الاقتصاد إلى نقطة تجعل من الصعب عليها كثيرا أن تبني في برنامجها الإصلاحي حيزا ماليا ضروريا لتخفيف ألم التعديل على الفئات الأكثر تضررا.

وبعد أن وافقت في نوفمبر الماضي على برنامج استهدف عجزا للميزانية يبلغ 8.5 في المئة من الناتج الإجمالي المحلي في السنة المالية التي تبدأ في يوليو المقبل، تستهدف القاهرة الآن عجزا بنسبة 9.5 في المئة للفترة نفسها.

وقد انسحبت الحكومة من اتفاق نوفمبر مع صندوق النقد الدولي بعد أن تم سحب زيادة ضريبة مبيعات بعد ساعات من إعلانها، بسبب المعارضة القوية. وعلى الرغم من المخاطر، يرى حزب الحرية والعدالة أن هناك حاجة إلى إصلاح حذر، إذا كان على مصر تجنب مزيد من الاضطرابات.

وقال محمد جودة، الخبير الاقتصادي في حزب الحرية والعدالة: «أعتقد أن برنامج الحكومة الاقتصادي الأخير متوازن». وأضاف: «الناس مشحونون سياسياً ولديهم طموحات، لذلك إذا أضفنا أعباء يرفضونها كما فعلوا في نوفمبر فلا ينبغي لنا إعطاء المجتمع ذريعة لرفض التدابير. لذلك يجب أن يكون هناك توازن».

(فايننشال تايمز)