استرجع الشيخ سيد اللحظات الصعبة في حياته، وهو ينتظر إذاعة أولى أغانيه المسجلة في الإذاعة المصرية، فبعد تسجيل دور {مليك الحسن في دولة جماله} في الإذاعة، انتظر مكاوي لعل الحظ يبتسم، أحلام النجومية تلاعبه، ومخاوف الفقر تلاحقه، وبين ذلك وذاك مضت أيام عصيبة على شيخنا الضرير وسط أسرته التي شاركه أفرادها قلقه، وحاولوا أن يخرجوه من حالته النفسية السيئة، بعدما تساقطت الأيام ولم تحمل له إلا المزيد من الآلام، فانطلاقة فنه تحتاج إلى إذاعة تلك الأغنية ليصبح مغنياً رسمياً، وقتها قد يتغير كثير من الأمور.

Ad

في إحدى جلساته وسط أسرته الصغيرة إلى جوار والدته سنده في الحياة الصعبة، تبدد كل لحظة منقضية الأمل في قلبه، وتزيده انقباضاً من المستقبل، استمع إلى جهاز الراديو يحمل له عبر الأثير صوت مذيع الإذاعة الشهير وهو يقول:

«هنا الإذاعة اللاسلكية للحكومة المصرية.. نستمع الآن من بحر النغم إلى دور «مليك الحسن في دولة جمالك» من كلمات الشيخ محمد الدرويش، ألحان عبده الحامولي من مقام حجاز كار، بصوت سيد مكاوي»:

المذهب

مليك الحسن في دولة جماله

آه... ملك عقلي وأفكاري وروحي

ومن تيه أسر قلبي ودلاله

وزاد في محبته وجدي ونوحي

الدور

أنا عاشق ومغرم يا حبيبي

ومين مثلي عشق يا حلو مثلك

أنا عاشق... آه ومغرم يا حبيبي

دا أنا عاشق... دا أنا دا أنا عاشق

أعيش مسعد ولم يزداد لهيبي

وأتهنى بإنعامك ووصلك

أنا عاشق ومغرم يا حبيبي

آه دا أنا عاشق... أنا عاشق أنا عاشق

****

ما إن انتهت الإذاعة من بث دور «مليك الحسن في دولة جماله» حتى ضج الحي كله بالتهليل والتصفيق، وذهب عدد كبير من أهالي الحي إلى بيت الشيخ سيد يحتفون بابنهم، ابن «الناصرية» و{عابدين» ونجاحه في الإذاعة الرسمية للدولة.

تقاضى الشيخ سيد راتبه الأول من الإذاعة قدره 20 جنيهاً شهرياً وقد أصبح أحد من تتعاقد معهم الإذاعة، على أن يقدم أربع أغاني كل شهر، ما أحدث لديه انفراجة مالية كبيرة، ليدفع أولاً ما تأخر عليه من إيجار البيت، على رغم أن صاحب البيت أبدى استعداداً كبيراً للتنازل عن حقه في الإيجار المتأخر، حباً فيه واحتفالاً به، فإن الشيخ سيد أصر أن يدفع ما تأخر عليه، والأهم إحساسه تجاه والدته وأشقائه، وتعويض ما فاتهم وما لاقوه معه من أيام صعبة، خصوصاً أنه قد أطمأن على زواج شقيقته الكبرى، ولم يعد ينقصها شيء في بيتها الجديد، وبدأ يلتفت إلى أشقائه الأربعة الآخرين، خصوصاً شقيقته الصغرى سميرة القريبة إلى قلبه، فأطمأن على حياته الاجتماعية وقوت يومه وأسرته، فبدأ يتفرغ لما يمكن أن يقدمه للإذاعة في الخطوة التالية.

مهمة صعبة

كعادته لم يلجأ الشيخ سيد إلى السهل كغيره ولم يعتمد نظرية الانتشار السريع التي تضمن له النجاح في زمن قصير بمسايرة الرائج في السوق الغنائي، بل اختار مهمة صعبة وشاقة، وهو قادر عليها، اختار أن يعيد تقديم التراث الغنائي المصري، الذي اندثر بفعل الزمن، ولم يعد له وجود إلا من خلال الأسطوانات القديمة فقط، حيث ظهر قبل وجود الإذاعة بعشرات السنين، فيما لم يكن حظ تلك الأغاني التي سجلت على الأسطوانات بأحسن حظاً، فالأسطوانات وقتها كان لها عمر افتراضي، لذلك أصيبت معظمها بالتلف.

 حرص الشيخ سيد على أن يعيد تراث كبار الملحنين والمطربين القدامى، الذين لمعوا في سماء القاهرة نهاية القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين، فراح يبحث وينقب في تراث عبده الحامولي، ومحمد عثمان، وعبد الحي حلمي، وداود حسني، وكامل الخلعي، والشيخ سلامة حجازي، والشيخ سيد درويش، وصولا إلى زكريا أحمد.

راح مكاوي ينهل من تراث الرواد القدامى، وبعض المعاصرين، غير أنه رأى أن يبدأ من عند الرائدين محمد عثمان وكامل الخلعي، باعتبارهما أعظم من لحن الدور في القرن التاسع عشر ويرجع إليهما الفضل في تهذيب وتنقيح الدور وتطوير وصياغة جمله الموسيقية، حيث أدخل محمد عثمان الردود أو ما يطلق عليها «طريقة الهنك»، وغنى له عبده الحامولي وكونا معاً ثنائياً فنياً ساد الساحة الفنية لعقود عدة.

ولم ينس الشيخ سيد نصيحة الشيخ زكريا أحمد له بأن ينزل إلى بحر الشيخ سيد درويش الفني الواسع، سيجد فيه كل ما يبحث عنه، غير أنه فضل أن يذهب إلى ما هو أبعد من سيد درويش، تحديداً محمد عثمان، فعلى رغم انتساب الأخير إلى المدرسة القديمة فإنه كان مجدداً بمقاييس عصره، فقد ظل قالب الدور حبيس الكتب والمخطوطات دون تسجيل أو تدوين لمئات السنين فأحياه محمد عثمان بأسلوب عصري، سبقه على هذا الدرب الشيخ محمد عبد الرحيم الذي كان رائد النوع الجديد من الأدوار.

مثلت ألحان محمد عثمان عصر الطرب بكل معانيه ليكون امتداداً للحرفية الشكلية والمدرسة الزخرفية التي سيطرت على عهود الاحتلال التركي للمنطقة العربية، في كل المجالات، من البناء والعمارة إلى الموسيقى، إلا أن ألحان محمد عثمان لم تنتم بأيّ شكل إلى الموسيقى التركية، فكانت ألحانه من صميم الأنغام العربية والذوق العربي.

استمر قالب الدور كما صاغه محمد عثمان في اجتذاب الملحنين والمطربين اللاحقين على رغم سيطرة موسيقى سيد درويش التعبيرية على أذواق الجمهور، حتى إن تأثيره امتد إلى سيد درويش نفسه الذي لحن عشرة أدوار، وربما كان السبب هو عشق الأذن العربية للطرب في حد ذاته.

اكتشف الشيخ سيد مكاوي أيضاً في رحلة بحثه في التراث، أن الشيخ زكريا أحمد، وداود حسني، ومحمد عبد الوهاب، قدموا أدواراً عدة من نفس مدرسة محمد عثمان، غير أن الدور كقالب غنائي انتهى عصره مع آخر دور غنته أم كلثوم من ألحان الشيخ زكريا وهو دور «عادت ليالي الهنا» من نظم أحمد رامي عام 1938، ففضل الشيخ سيد أن يعيد قالب «الدور» من خلاله بشكل عصري.

فبعد أن ظل قالب «الدور» حبيس كتب التراث لمئات السنين، عاد بقوة وبشكل متطور في مصر في أواسط القرن التاسع عشر مع ظهور الحركة القومية العربية في مواجهة الثقافة التركية السائدة، فقام بغنائه عبده الحامولي، ويوسف المنيلاوي، وعبد الحي حلمي، وسلامة حجازي، ومنيرة المهدية، وزكي مراد، وعبد اللطيف البنا، وصالح عبد الحي، وسيد درويش، وزكريا أحمد، ومحمد عبد الوهاب، وفتحية أحمد، وأم كلثوم.

 وبين هؤلاء جميعاً يعد الشيخ سيد درويش أفضل من لحن وأدى الأدوار وقد أدخل بأدواره العشرة التي قدمها للحياة الموسيقية، تطوراً كبيراً على هذا الفن، غير أن الدور ظل بعد ذلك قالباً تراثياً لا ينتج منه جديد، حيث اتجه الغناء عموماً إلى الأشكال الغنائية القصيرة والسهلة في الأداء، تحت تأثير الازدهار المسرحي والسينمائي والإذاعي واندثار الفئة القادرة على أدائه الذي يحتاج إلى إمكانات طربية.

يتألف «الدور» من «المذهب» وهو «الاستهلال» ويتألف من بيتين أو أكثر، ثم «الأغصان» وهي مقاطع عدة يعود منها اللحن إلى المذهب لحناً في وسط الدور، ونصاً ولحناً في آخره، إضافة إلى الآهات وهي آهات يرددها المغني من المقام الأساسي أو من مقام مختلف ويستعرض فيها إمكانات صوته، أما «الردود» فهي ألحان مختلفة لبيت أو أكثر داخل الدور يرددها المغني، بينما يرد عليه الكورس بلحن ثابت للشطر الأول بعد كل تغيير في لحن ذلك البيت، في ما يطلق عليه اسم «الهنك»، أما في ما يخص الإيقاع؛ إيقاع الدور الأساسي، فيتنقل اللحن إلى إيقاعات عدة في أجزاء منه، ثم يعود إلى الإيقاع الأصلي.

بدأ الشيخ سيد تقديم أغانيه تباعاً للإذاعة فقدم دور «عشنا وشفنا» من مقام «الصبا»، الذي كتب كلماته إسماعيل صبري، وقام بتلحينه محمد عثمان، وسبق أن غناه بصوته عبده الحامولي:

عشنا وشفنا سنين … ومن عاش يشوف العجب

شربنا الضنى والأنين … جعلناه لروحنا طرب

غيرنا تملك وصال … واحنا نصيبنا خيال

كده العدل يامنصفين … حبيبي بوصله ضنين

هجرني من غير سبب … قولوا له ولو بعد حين

بأني أنول الأرب … تمام الجميل انجاز

وصدق المعاهدة شرف … ومن يتبع الرفق فاز

وعصره بفضله اعترف … سلامي عليك يا زمان

زمان الهنا والأمان … بصفو الأحبة العزاز

ثم غنى من أدوار يوسف المنيلاوي {الورد في وجنات} مقام {راست النوى}:

المذهب

 

الورد في وجنات بهى الجمال

وعنبري الخال سبى مهجتي

أهيف شغل بالي بتيه الدلال

ما حيلتي في الحب يا لوعتي

الدور

الغصن إذا شافك يزيد اعتدال

وجلنار خدك سبى مهجتي

روحوا اسألوا العشاق هم يعرفوا

سقمي أنا وحالة صبوتي

وخلال رحلة بحثه في التراث اكتشف أيضا دور «يا سيد الملاح» الذي غنته المطربة «بديعة صادق» من مقام «نهاوند»:

المذهب

العفو يا سيد الملاح

جسمي صبح مضني سقيم

جد بالوصال يشفي الجراح

يا منيتي أنت الحكيم

الدور

إزاي ما أطيب من غير دواك

وأنا ما ليش غيرك طبيب

قلبي انكوى من نار جفاك

اعطف عليه إياك يطيب

تفوت وتبخل بالسلام

وإن غبت لم تبعت رسول

حتى الكلام منك حرام

ما هش أصول يا ابن الأصول

انتعاشة مالية

أصبح للشيخ سيد موعد ثابت في الإذاعة، يطل فيه على جمهوره الأخاذ في النمو، كما حصل على ميزة أن يحصل على دخل ثابت، ما انعكس إيجابياً على دخله فشعر بانتعاشة مالية، فأراد أن تشعر أسرته بالانفراجة التي حدثت له، فقام بشراء كمية كبيرة من «اللحم» وناولها لشقيقته الصغرى سميرة:

* خدي يا سميرة... أعملي لنا دي.

= إيه دا يا أخويا.

* لحمة.

= كل دي. ما شاء الله... دي تكفي الحارة كلها.

* يلا إن شاء الله ما حد حوش.

= بس دا كتير يا أخويا.

* خلي العيال تاكل. كفاية الحرمان اللي شافوه... وأنت بالذات فاكرة... فاكرة يا سميرة.

= ودي حاجة تتنسي يا شيخ سيد.

* أيوا... لما كنتي تلفي معايا طول النهار على المحلات والبيوت علشان أقرا قرآن.. علشان كام مليم كل شهر.

= أيوا يا شيخ سيد.. كانت رجليك بتدوب من المشي.

* أنا ما كنتش بحس بالتعب إلا علشانك... بتعب لما أنت بتتعبي... وكانت المكافأة أكلة حلوة كل كام يوم... فاكرها.

= (ضاحكة) طبعاً وهي تتنسي... حتة «ليَّة»، جزء من الدهن الخلفي للخروف، بقرش صاغ من عند الجزار... وقوطة (طماطم) بتعريفة وبصل وفلفل أخضر بتلاتة مليم.

* بس أنت كنت بتعمليها يا بت يا سمورة حلو أوي... لما تقطعي اللية وتحطيها في الحلة تتحمر وترمي عليها البصل والقوطة والفلفل... وننزل عليها حتتك بتتك

= وكنا نقعد عليها تلات أربع أيام.   

* علشان كدا عايزك تعملي اللحمة دي كلها علشان أعوض انت وأخواتك.. وأمنا اللي أتحملت معانا كتير.

لم تكن الانفراجة المالية كبيرة بالقدر الكافي، غير أن الشيخ «سيد» فكر أولاً في تعويض أسرته بعض ما عانوه، وفي الوقت نفسه يبدأ يتفرغ لفنه وبحثه الدءوب في التراث.

كنوز التراث

بقدر عشق الشيخ سيد للتراث وللأدوار والموشحات إلا أنه كان يتمنى أن يبدأ الغناء الخاص به، أن تكون هناك أغنية يقدمها هو للمرة الأولى، وهو ما كان دائم الإلحاح عليه في هذا الاتجاه، وعلى رغم اقتناع المسؤولين في الإذاعة بصوته، فإنهم كانوا يرجئون هذه الخطوة لوقت لاحق، فلم يكن أمام الشيخ سيد سوى الاستمرار في التنقيب واستخراج كنوز التراث، فقدم دوراً للشيخ سيد الصفتي، أقرب إلى الطقطوقة منه إلى الدور، بعنوان «من حبك أولى بقربك» من مقام «بياتي نواه»:

المذهب

من حبك أولى بقربك

إسمح وارحم بقلبك

في قلبي من جوه رسمك

عيوني ما فيهاش غير شكلك

ولساني بيكرر إسمك

إسمح لي مرة بلثمة

أجعلها منك جميلة

الدور

يا للي تلومني أنا مجروح

خلي ملامك عني وروح

إن كنت عاذل والا نصوح

أنا يا حبيبي ما يهونشي على

كل ساعه دلع وخصام

قلبي صبح كله أوهام

جسمي ما يستحمل دي النار

لكن دا كله في حبه شوية

****

ثم قدم دور «لغير لطفك أشكي لمين» من مقام «صبا الدوكاه» الذي غناه الشيخ سلامة حجازي ولم يكن موجوداً سوى على عدد قليل من الأسطوانات، فحرص الشيخ سيد أن يعيد تقديمه للإذاعة:

المذهب

لغير لطفك أشكي لمين حالي

يجوز يا بدر ليلي والنهار باكي

لكن سهدى ونوحى والجوى حالي

يا ناس توبة على ذلي ما نيش شاكي

الدور

حبيب قلبي أنا أهواك وليه هجري

حرام يا حلو تهجر والغرام زاد بي

اسمح وجد لي بوصلك واغتنم أجري

يا ناس عامل على عندي حبيب قلبي

****

فيما انتهى الشيخ سيد من غناء الدور على الهواء مباشرة، كان صديقه محمود رأفت في انتظاره، وبينما هما يخرجان التقى محمود بصديق له، فرحب به وقدمه للشيخ سيد:

= ما تعرفوش بعض طبعاً.

* معلهش يا أستاذ محمود العتب على النظر.

= (ضاحكاً) عموماً مد أيدك... دا صديقي الأستاذ عبد العظيم عبد الحق.

- أهلاً أهلاً.

= ودا صديقي الأستاذ سيد مكاوي.

* طبعا سمعت اسمه... وكان نفسي أتعرف عليه.

- الشرف ليا يا عم سيد.

= الأستاذ عبد العظيم لسه متخرج من معهد الموسيقى الملكي.. ونجح كملحن في الإذاعة.

* أتشرفت بمعرفتك يا أستاذ.

- حلوة كلمة أستاذ دي... بتفكرني دايماً أني أبوكاتو (محام) ما تخلي البساط أحمدي يا عم سيد ما تآخذنيش أصلي شبراوي وعايش وسط ولاد البلد.

* بصرة... على رأي أخوانا اللي بيلعبوا كوتشينة.. أصل محسوبك عابديني، نسبة إلى حي عابدين، من الناصرية.

انضم الملحن عبد العظيم عبد الحق، إلى «الشلة» المقربة من الشيخ «سيد»، والتي بدأت تتسع لتضم إلى جانب الأخوين «رأفت»، المخرج أحمد بدرخان، ورسام الكاريكاتير أحمد طوغان، ووكيل وزارة الأشغال عبد الباسط إبراهيم، وعدد من الشخصيات العامة، حيث تحرص هذه المجموعة على الالتقاء، مرة على الأقل أسبوعياً، خلاف لقاء بعضهم مع البعض، بشكل شبه يومي.

في اللقاء الأسبوعي كان يحرص كل منهم أن يبث شكواه مما يلاقيه من مصاعب، سواء في عمله بالموسيقى أو الغناء، أو في أي من المجالات الأخرى، إضافة إلى قيام بعضهم بالعزف أو الغناء، فضلا عن القفشات الساخرة التي يطلقونها طوال الوقت، سواء على الأحوال الاجتماعية أو السياسية، وكانت الشكوى الدائمة للشيخ سيد مكاوي أنه يريد أن يقدم غناء خاصا به، أغاني تصنع خصيصاً له، على رغم حبه الشديد للتراث، واعترافه بفضله الكبير عليه، وكيف أنه صقل موهبته الموسيقية، وكان له عظيم الأثر عليه، فإنه يريد أن يقدم أغاني يقوم هو بوضع ألحانها، وهو نفس ما يعانيه أغلب المواهب الجديدة.

على رغم ما يعانيه الشيخ سيد من عدم وجود فرصة حقيقية له، وعلى رغم شوقه إلى تقديم فنه للمستمع، فإنه لم يتوقف عن تقديم كنوز التراث، فقدم دور «الكمال في الملاح» الذي سبق وغنته السيدة «بمبه العوادة» من كلمات محمد الدرويش، وألحان إبراهيم أفندي القباني من مقام «بياتي»:

المذهب

الكمال في الملاح صدف

لكن مالك روحي ملك

والهيام في هواك شرف

فيا عذولي أسئلك بالحق

شفتش كده

ولا محاسن بعد ده

ده شئ بعيد إيش وصلك

لا شئ رأيته ولا صدف

الدور

العشق كله حكم

والصب يصبر لو عرف

أمر المحبة محترم

إن جار حبيبك أو عطف

قدم حياتك له فدا

واصبر على كيد العدا

اسمع لحكمه لو ظلم

ما دام تحبه بالشرف

لم ينس مكاوي تراث الشيخ سيد درويش، فلم يقترب منه رغم أنه يأتي بالنسبة إليه على رأس القائمة، فقد كان يخشى في ظنه المقارنة لاقترابه منه إلى حد كبير، بل وكما يقول: هو الكتاب الذي يذاكر منه} (إن جاز التعبير) فإن الجماهير المحيطة به في {عابدين} و{الناصرية} والأصدقاء المقربين منه، كثيراً ما طالبوه بإعادة تقديم تراث الشيخ سيد درويش، فكأنما كان ينتظر إشارة البدء، فقرر أن يقدم بعضاً من الأدوار العشرة التي قدمها سيد درويش، بدأها بدور {ضيعت مستقبل حياتي} من مقام {شورى} كلمات يونس القاضي، وألحان سيد درويش:

المذهب

ضيعت مستقبل حياتي في هواك

وازداد عليا اللوم وكثر البغدده

حتى العوازل قصدهم دايماً جفاك

وانا ضعيف مااقدرش أحمل كده

إن كان جفاك يرضى علاك وانا في حماك

أصل الحبيب ما يكونش

أحسن من كده

الدور

علمتني يا نور عيني الامتثال

واحتار دليلي بين تيهك والجوى

كنت افتكر حبك يزودني كمال

خيبت ظني والهوى ما جاش سوا

تبقى سبب كل التعب ونسيت مغرمك

ده اللي انكتب فوق الجبين ما لوش دوا

****

بعده قدم عدداً آخر من أدوار الشيخ درويش، أنهاها بدور «أنا عشقت» من مقام «حجاز كار» كلمات يونس القاضي، وألحان سيد درويش، وغير الكثير من الأدوار والطقاطيق التي أثرت مكتبة الإذاعة المصرية بكنوز نادرة كانت في حكم النسيان.

(البقية في الحلقة المقبلة)