أصدر خالد النصرالله كتباً عدة، لكن الصحف المحلية بصفحاتها الثقافية، أخفقت بتعمد أو بكسل، للأسف، في تسليط الأضواء على نتاج الشباب الكويتي الإبداعي، واكتفت بالترويج لأعمال كتّاب لهم مكانتهم وإبداعهم، سواء في داخل الكويت أو خارجها، مع جرعة زائدة من المجاملات هنا وهناك، رغم أن أولئك الكتاب في الحقيقة ليسوا بحاجة إلى تسليط الأضواء عليهم.

Ad

ثمة تغييب متعمد للشباب من جهات عدة، فلا أحد يتناول نتاجهم، سواء بالعرض أو النقد السلبي أو الإيجابي، ما قد يصيب بعضهم بالإحباط، والانسحاب الواحد تلو الآخر من ساحة الأدب من دون إعلان أو حتى وداع، لا سيما عندما يكتشف الكاتب الشاب في بداية حياته أن جهده ذهب هباء، وأعماله صامتة في رفوف المكتبات أو المخازن، أو بين جدران منزل العائلة، تشكو الوحدة والموت البطيء.

كذلك قد ترفض إدارات الجمعيات التعاونية المدعومة من الدولة تسويق إصدارات الشباب، وتكتفي بترويج الطماطم والخيار والبطاطا منتجات الشيبس والشوكولا الأجنبية، أو التركيز على بيع القرطاسية والحقائب المدرسية أو كتب الطبخ والسحر والشعوذة والأبراج أو كتب دينية خرافية تجارية غير علمية تنشر الجهل.

لكن هنا نجد نافذة ضوء، عندما أتاحت جريدة «الجريدة» مشكورة،  بصفحتها الثقافية، أن يرى ما نكتب عن هؤلاء الشباب وأعمالهم النور، وأن نجتهد ونرسم إن أمكن تقييماً نبتغي أن يكون مفيداً لهم.

لا إحباط

يبدو أن كاتبنا الشاب خالد عادل النصرالله لم يصب بالإحباط كغيره ولم يتوقف عن العبث والكتابة حيث لا أذان تسمعه ولا صدور تستقبله، بل استمر بنشر إصدارات، من بينها كتابه {هرطقة}، وهو مجال تقييمنا في هذا البحث.

أصدر النصرالله مجموعة كتب منها: {كويتي من كوكب آخر} (2007)، {التجربة الإنجليزية} (2008 )، و}يوم الحدث} (2008 ). لا نعرف ما إذا أصدر بعد كتاب {هرطقة} (2009) عملا جديداً، ولم نطلع على كتبه السابقة لمعرفة مدى تطور الكتابة لديه.

 إبهار غربي

اختار الكاتب لـ {هرطقة} عنواناً جانبياً {هرطقة... تبدأ من نقطة سوداء}، وهو طويل إلا أنه مكشوف، بمعنى أن القارئ قبل أن يبدأ بالقراءة، يعرف أن ثمة جوانب سوداوية في العمل، لذا كان الأجدر لو اختار عنواناً يرسم غموضاً أوسع، لا أن يكشف القارئ ملامح من محتوى الكتاب قبل أن يشرع في القراءة.

بعد اطلاعي على أجزاء منه، اكتشفت أن الكاتب يجيد فن الكتابة القصصية، ويقدم مضامين فكرية تعطي وزناً وثقلا للعمل، وتدلّ بوضوح على المستوى الفكري لديه، وأنه يعي ما يدور حوله من أحداث تعصف بمجتمعه الكويتي والمجتمعات العربية الأخرى.

لهذا المنحى مؤشر واضح، ويدل دلالة لا لبس فيها على أنه مطلع وله قراءات، ويملك خلفية ثقافية. لكن يبدو أن ثمة تأثيراً غربياً على مستوى الكتابة، من ناحية انجذابه إلى الأسلوب الغربي في الكتابة، من خلال المزج بين الإبهار والأحداث الغريبة التي تدفع إلى الاستمرار بالقراءة لمعرفة النهايات، لمن يهوى هكذا أعمال، وهذا أسلوب متبع في الكتب الأكثر مبيعاً في أوروبا وأميركا، إذ يجنح الكاتب غالباً إلى الوضوح في كتاباته مع التشويق في رسم الأحداث، هكذا لن يتعب القارئ في فك رموز ما يكتب.

لدى النصرالله نفس طويل بالكتابة قد لا يملكه البعض، وهذه ميزة تؤهله إلى أن يكون روائياً متميزاً إن وجد دعماً إعلامياً، لا كاتب قصص طويلة لديه مقدرة على صنع الأحداث فحسب، بل التوسع فيها والإطالة، وقد يكون هذا جانباً سلبياً ويؤدي إلى ملل القارئ في بعض الأحيان، إن كان لا مبرر للإطالة.

يغفل الكاتب عن ذكر النوع  الأدبي لكتابه، وهذا غير مقبول، إذ يفترض أن يحدد على غلاف الكتاب، هل هو قصة أو رواية أو عمل مسرحي أو كتاب فكري. قبل أن يتصفح الكتاب يود القارئ أو الناقد أن يعرف النوع الأدبي، ويفترض تلافي ذلك مستقبلا إن أمكن.

قصص طويلة

يحتوي الكتاب على أربع قصص: {الظرف الأسود}، {سنوات مع الشيطان}،  {هرطقة}،  {الحل الأمثل}. القصص طويلة جداً، لكن ممتعة  ومشوقة للقارئ العادي الذي لا يهوى فك رموز ما يقرأ، بمعنى أن ثمة وضوحاً تاماً للأحداث، ما يدفعك إلى الاستمرار بالقراءة، فالقصة الأولى تقارب 77 صفحة، والقصص التالية كذلك، وهو ما نطلق عليه روايات قصيرة. لكن قد يرتبك القارئ ويتساءل: هل يقرأ قصصاً أم روايات؟ فلو طور كل قصة وجعلها في كتاب كرواية أفضل.

يفترض على الكاتب أن ينتبه إلى الصف المهني للكتاب، أي عند بداية كل فقرة، يجب أن يكون ثمة فراغ بحجم عرض رأس الإصبع، ليتبين للقارئ أنه انتقل إلى فقرة جديدة، وقد أهملت هذه الجزئية، رغم أن ذلك أمر متعارف عليه وضروري، إنما لا يؤثر على جدية العمل بل يخلّ بالشكل، لذا عليه أن ينتبه إلى ذلك في أي عمل مقبل. كذلك لا داعي ليقدم للقصص، إذ يفترض أن يكتشف القارئ المضمون من دون مقدمات، وأن يقدم كل نصّ نفسه ويفسح في المجال أمام ذكاء القارئ لا أن يلقنه مضمون القصة قبل أن يتصفّح الصفحات.

 أبعاد أخرى

 في القصة الأولى {الظرف الأسود}، قد يسأل القارئ: ما الذي يدعو كاتب كويتي إلى كتابة قصة بطلها فيليب رينيه فرنسي الجنسية ومدير فندق في باريس؟ ولماذا لم يكتب عن أحداث تجري في عالمه العربي أو المحلي؟ لكن عندما تستمر بالقراءة تكتشف أن ثمة أبعاداً أكبر، تعامل معها الكاتب بذكاء. يقع مدير هذا الفندق الفرنسي في باريس في مشاكل لا تعد ولا تحصى، يسببها اثنان من زبائنه: إبراهيم خالد وهو عربي مسلم، يوسي حاييم وهو يهودي إسرائيلي.

هنا يقع مدير الفندق الباريسي في إشكالات وخلافات يومية تنشب بين هذا المسلم وذلك اليهودي، ويحاول حلها بلا جدوى... هكذا ينقلنا الكاتب  إلى قضية أكبر تتعدى ما يحدث بين نزلاء فندق، ولها أبعاد شتى وقد تكون فلسطين قضية العرب الأولى، رغم أنه لم يذكرها من قريب أو بعيد... كيف يحل المدير الإشكال هذا؟ نترك ذلك  للقارئ، وقد يصل إلى إسقاطات أخرى يفهمها من نهايات مزدوجة لها أبعاد سياسية.

لن نعرض القصص كافة، إذ تنطبق على غالبيتها أصول القصة لولا التطويل الذي لا يخل بالمضمون، لكن نأتي إلى القصة الثالثة {هرطقة}  التي تحمل مساحات فكرية محلية، وتناقش الواقع الاجتماعي والسياسي الكويتي، إذ يعيش بطلها الشاب ناصر هلوسة بين حب دينا ورغد، ويشكّ في إن ثمة من يتجسس عليه، ويواجه ملامح لأزمة الشباب مع وسائل التواصل الحديثة، تخلق لديه ازدواجية في معرفة ماذا يريد، فيصف حب دينا بالقنبلة الذرية على هيروشيما لكن لا تغيب عن باله رغد وهكذا...

بالنسبة إلى باقي القصص، نتركها  للقارئ الكريم إن وقع الكتاب بين يديه، فمعرض الكتاب العربي على الأبواب، ونأمل من الكاتب الاستمرار بالعطاء مع تلافي أي سلبيات ذكرت إن اقتنع بها... وما كتبنا مجرد رأي وليس وصفة طبية.