على إسرائيل أن تواجه إيران في سورية
إذا اندلعت حرب أهلية في سورية، يرجح أن تبذل إيران قصارى جهدها لتستنزف إسرائيل دبلوماسيا واقتصاديا وعسكريا، بجرها إلى حرب شوارع طويلة في سورية.
تعتبر إسرائيل حتى اليوم مصير الأسلحة الكيماوية في سورية مصدر القلق الرئيسي بعد سقوط الأسد، فقد أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أن إسرائيل تتعاون مع الولايات المتحدة والمجتمع الدولي في هذه المسألة، لكن عندما يسقط الأسد، لن تشكل أسلحة نظامه الكيماوية الخطر المحتمل الوحيد الذي يهدد إسرائيل.وفي حال اندلعت حرب أهلية في سورية، يُرجح أن تبذل إيران قصارى جهدها لتستنزف إسرائيل دبلوماسيا واقتصاديا وعسكريا، بجرها إلى حرب شوارع طويلة في سورية، وكانت طهران تأمل أن تحقق هذا الهدف خلال الصراع الأخير في غزة، إلا أن أملها خاب عندما انتهت الحرب في غضون ثمانية أيام.
وقال حسن هاني زاده، محلل في الشؤون الاستراتيجية مقره في طهران، لوكالة أسوشيتد برس أخيراً إن "إيران تحاول تنظيم مجموعات أخرى في سورية، ليتوافر لها البديل في حال لم تجر التطورات كما تشتهي"، ويشمل هذا التنظيم في جزء منه إقامة مخابئ للأسلحة داخل سورية يمكن استخدامها أيضا ضد أهداف إسرائيلية.لكن السؤال الذي يجب أن يطرحه الإسرائيليون: هل نحن مستعدون لمواجهة هذا الخطر؟ من الناحية العسكرية تملك إسرائيل قدرات جوية وبرية هائلة، فضلا عن منظومة دفاع صاروخية متطورة. كذلك تستطيع إسرائيل استخدام مرتفعات الجولان لتحدد مواضع الثوار، الذين يستهدفون جيشها ومدنييها، وترد عليهم. لكن الاستعدادات العسكرية لن تكون وحدها كافية.وكما أظهرت الحرب الأخيرة في غزة، يجب أن تكون إسرائيل مستعدة دبلوماسيا أيضا، فقد أعاق غياب المصداقية الدبلوماسية نتنياهو عن شن عملية برية ضخمة ضد مقاتلي غزة.أما إذا أرادت إسرائيل ضرب أهداف في سورية، فتحتاج إلى مصداقية دبلوماسية مماثلة لما كان ضرورياً في غزة، هذا إن لم نقل أكبر. فهي في النهاية ستضطر إلى مهاجمة أراضي دولة عربية كي تتمكن من التصدي للخطر السوري. وقد تترتب على هذه الخطوة عواقب كثيرة في العالم العربي، خصوصاً في دول تملك علاقات مع إسرائيل، مثل الأردن ومصر. صحيح ان مصر تعارض بشدة انتشار وجود النظام الإيراني وتأثيره في سورية ما بعد الأسد، لكن من المستبعد أن تقف مكتوفة الأيدي وتراقب الضربات الإسرائيلية المتواصلة على أراضي دولة عربية أخرى. قد تلتزم مصر الصمت بشأن الضربات الجوية الإسرائيلية العشر الأولى ضد الأراضي السورية، لكنها سترغب بعد ذلك في التدخل في هذه القضية، خصوصا أن مصر بقيادة الرئيس محمد مرسي تحاول أن تكون قائدا في العالم العربي السني. إضافة إلى ذلك، تواجه حكومة مرسي تحديات داخلية تود تحويل الانتباه عنها. لذلك يرغب مرسي على الأرجح في الظهور بمظهر مَن يسعى لوقف الهجمات الإسرائيلية ضد الأراضي السورية.وتأمل إيران أن تواصل إسرائيل بناء المستعمرات، لأن ذلك يحد من قدرة إسرائيل الدبلوماسية على تبرير اعتداءاتها ضد الأراضي السورية. صحيح أن إسرائيل تملك كل الحق في الرد على أي هجوم على سيادتها، إلا أنها تستفز العالم العربي والاتحاد الأوروبي بعملها أخيراً على توسيع مستعمراتها، ما يعني أن فرص قبول ضربة عسكرية إسرائيلية ضد أراضي دولة عربية أخرى ستتقلص.ويشكل تراجع العلاقات بين إسرائيل والاتحاد الأوروبي، بسبب خطط البناء في المنطقة E1 في القدس، هبة في رأي آية الله علي خامنئي. فلطالما أراد النظام الإيراني إحداث شقاق بين إسرائيل والاتحاد الأوروبي، إلا أنه عجز. وينطبق ذلك تحديدا على علاقات إسرائيل مع كاثرين آشتون، التي ترأس فريق الاتحاد الأوروبي للتفاوض مع إيران بشأن برنامجها النووي. استاء النظام الإيراني كثيراً خلال السنوات الماضية بسبب ما اعتبره تقرب آشتون من الحكومة الإسرائيلية في قضية برنامج إيران النووي. ولاشك في أن النظام الإيراني يشعر اليوم بالرضا نتيجة قرار نتنياهو الأخير بشأن المستعمرات، لأنه أغضب آشتون، محققاً بالتالي الرغبة الإيرانية. كذلك يريد خامنئي أن يفرض الاتحاد الأوروبي عقوبات على الحكومة الإسرائيلية. وكل ما عليه فعله اليوم الانتظار ليرى ما إذا كان نتنياهو سيحقق رغبته هذه أيضاً في تشييد المزيد من المستعمرات.هذه تطورات طويلة الأمد، أما التطورات المباشرة فتشمل الخطر المتنامي في سورية، فمواطنو شمال إسرائيل سيكونون هدفاً لحلفاء إيران في سورية. لذلك على إسرائيل التعاطي مع هذا الخطر بفاعلية. عليها أن تنهي العزلة التي فرضتها على نفسها بتبنيها سياسات استعمارية أدت إلى نتائج عكسية. فالقوة العسكرية لن تكفي وحدها.* مير جافدانفار | Meir Javedanfar ، باحث في شؤون الشرق الأوسط، ويدرّس مقرراً عن السياسات الإيرانية المعاصرة في المركز المتعدد التخصصات في هرتسليا.