العالم يعج بمسيرات الاحتجاج... لكن إلى متى وأين؟

نشر في 13-07-2013
آخر تحديث 13-07-2013 | 00:01
No Image Caption
 إيكونوميست ثار الشعب في البرازيل على أجور الحافلات، وفي تركيا احتجاجاً على مشروع بناء، وفي بلغاريا ضد المحسوبيات الحكومية، وفي منطقة اليورو انطلقت المسيرات ضد التقشف، كما أن «الربيع العربي» أصبح يهب احتجاجاً على كل ما سبق وعلى كل شيء.

  ثمة وجه مألوف ظهر في العديد من مسيرات الاحتجاج في عشرات المدن في ثلاث قارات خلال الأسابيع الماضية: رجل يضع قناعاً وتعلو وجهه ابتسامة وشارب رفيع، ويعود القناع إلى شخصية "في" في اللغة الإنكليزية (اختصاراً لفانديتا) في رواية تعود إلى الثمانينيات من القرن الماضي، الذي تحول إلى رمز لمجموعة من قراصنة الحواسيب تحت اسم "مجهول"، يتكرر استخدامه للاستخفاف بالحكومة في أوساط الناس في شتى أنحاء العالم.

وتندلع مسيرات الاحتجاج بين العديد من الأصول المختلفة في أنحاء الكرة الأرضية، فقد ثار الشعب في البرازيل على أجور الحافلات، وفي تركيا احتجاجاً على مشروع بناء، وفي إندونيسيا رفضاً لزيادات في أسعار الوقود، وفي بلغاريا ضد المحسوبيات الحكومية، وفي منطقة اليورو انطلقت المسيرات ضد التقشف، كما أن "الربيع العربي" أصبح يهب احتجاجا على كل ما سبق وعلى كل شيء، وكل مسيرة غضب تحمل طابعها الخاص بها.

ومع ذلك، وعلى غرار ما حدث في أعوام 1848 و1968 و1989 عندما وجد الناس صوتاً جماعياً، كان لدى مجموعات المحتجين الكثير من العوامل المشتركة. وخلال الأسابيع القليلة الماضية وفي الدولة تلو الأخرى انتفض المحتجون بسرعة محيرة ومذهلة، وكانوا أكثر نشاطاً في الدول الديمقراطية مما كان الحال في الأنظمة الدكتاتورية، وهم يميلون إلى أن يكونوا من الطبقة المتوسطة العادية وليس جماعات ضغط ذات مطالب محددة، ويتمحور غضبهم حول شجب الفساد وعدم الكفاءة وعنجهية الأشخاص في السلطة.

ما من أحد يستطيع القول كيف ستغير سنة 2013 العالم، هذا إن تحقق ذلك في الأساس، ففي سنة 1989 تهاوت الإمبراطورية السوفياتية غير أن معتقدات ماركس القائلة إن سنة 1848 كانت الموجة الأولى من الثورة البروليتارية قد امتزجت بعقود من ازدهار الرأسمالية، كما أن سنة 1968 التي كانت أكثر راديكالية في حينها أسهمت بقدر أكبر في تغيير الجنس من تغيير السياسة. حتى الآن فإن أهمية سنة 2013 لا تزال قيد الإدراك والتمييز، ويمكن القول إنه بالنسبة إلى السياسيين الذين يريدون المضي بالطريقة القديمة فإن الأخبار ليست جيدة.

الإنترنت والشوارع

تسارع إيقاع الاحتجاجات من خلال التقنية، كما أن وجه حرف "في" في اللغة الإنكليزية- (فانديتا) يظهر في ساو باولو وإسطنبول معاً لأن مسيرات الاحتجاج تنظم عن طريق شبكات التواصل الاجتماعي التي تنشر المعلومات وتشجع التقليد وتجعل القضايا ذات طراز محدد. وكل شخص يملك هاتفاً ذكياً يستطيع نشر روايات وأخبار وتقارير رغم أنها ليست موثوقة دائماً. وعندما أحرقت الشرطة التركية الخيام التي نصبها المحتجون في متنزه "جيزي" في إسطنبول في 31 مايو الماضي ظهر الخبر على الفور على "تويتر". وفي أعقاب نزول المحتجين الأتراك إلى الشوارع للتعبير عن غضبهم ازدادت شعلة الرفض تفاقماً من خلال روايات تحدثت عن موت محتجين بسبب المعاملة القاسية من جانب الشرطة التركية، وعلى الرغم من أن تلك الروايات الأولية لم تكن صحيحة كما تبين في وقت لاحق غير أن الأنباء كانت قد أصبحت في الأساس الدافع الشعبي للاحتجاج والتظاهر.

لم يعد تنظيم المحتجين يتم من خلال اتحادات أو جماعات ضغط معينة كما كان يحدث في الماضي، والبعض من مسيرات الاحتجاج تنطلق في الوقت الراهن بمبادرات من جانب مجموعات صغيرة تشتمل على أشخاص هادفين- من أمثال أولئك الذين تظاهروا احتجاجاً على أسعار أجور النقل في الحافلات في ساو باولو- غير أن الأخبار تنتقل بسرعة كبيرة تغرق موجة التنظيم. وتعطي العفوية والفورية المحتجين إحساساً مؤثراً بالقدرة- غير أن من المحتم في غياب التنظيم أن تتعرض أجندة المحتجين إلى تشويش وضبابية في الصورة، وقد تحولت احتجاجات البرازيل الى شجب لكل شيء من الفساد الى الخدمات العامة. وفي بلغاريا أذعنت الحكومة الى مطالب الجماهير الداعية الى إقالة رئيس جهاز أمن الدولة الذي تم تعيينه حديثاً، غير أن مجموعات الاحتجاج كانت قد توقفت عن الإصغاء عندئذ.

توقع الأفضل

قد تختفي هذه الأنشطة الواسعة بالسرعة التي ميزت ظهورها، وكان هذا مصير حركة "احتلوا وول ستريت" وغيرها والتي أقامت معسكرات احتجاج في مدن غربية في سنة 2011، وعلى أي حال فإن مجموعات الاحتجاج في هذه المرة تتغذى من خلال استياء عميق، وتعاني مصر من فشل مدمر من جانب الحكومة على كل المستويات، وقد أصبح الاحتجاج هناك بديلاً للمعارضة، وفي أوروبا تحتدم المعركة حول كيفية تقليص الحكومة وفي كل مرة يصل الخفض الى هدف جديد.

وفي بعض الأوقات، كما حدث في أعمال الشغب بين الشبان المهاجرين في ضواحي السويد وبريطانيا في سنة 2011 تشعر المجموعات أنها مستثناة من الرفاهية المحيطة بها. وفي السويد أعلى نسبة من البطالة بين الشباب مقارنة بمعدلات البطالة العامة في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (أويسيد). ويعاني العديد من الشبان في بريطانيا ضعفاً في التعليم، وفي الدول الناشئة دفع النمو الحقيقي السريع الناس إلى توقع تحسن مستمر في مستوى المعيشة، وقد دفع هذا الازدهار تكلفة خدمات.

وفي مجتمع غير متعادل مثل البرازيل أسهم في تضييق الفجوة بين الأغنياء والفقراء، غير أن ذلك عرضة للخطر فقد تباطأ نمو الناتج المحلي الاجمالي في البرازيل من 7.5 في المئة في سنة 2010 الى 0.9 في المئة فقط في السنة الماضية.

وفي إندونيسيا حيث لا يزال الناتج المحلي الإجمالي دون الـ5000 دولار للفرد ستشعر العائلات العادية بشدة بفقدان معونات الوقود.

براعة التكيف

وفي العالم النامي لا تزال القوة تبرز بقدر أكبر في التوقعات السياسية للنمو السريع في الطبقة المتوسطة- وفي نهاية السنة الماضية نزلت مجموعات من الشبان الهنود المتعلمين إلى الشوارع في العديد من المدن بعد حادثة اغتصاب فتاة في الثالثة والعشرين من العمر، وذلك احتجاجاً على فقدان الحماية التي توفرها الدولة للنساء.

وقد اجتاحت مظاهرات أكبر حجماً البلاد في سنة 2011 عندما ثارت الطبقة المتوسطة ضد الفساد الذي استشرى في كل مواجهة مع مسؤولي الحكومة.

والسؤال الآن هو: كيف ستتطور سنة الاحتجاجات هذه؟ ويخلص أحد الاستنتاجات القاتمة إلى أن تحقيق الديمقراطية أصبح أكثر صعوبة: وتخصيص الموارد بين مجموعات ذات مصالح متنافسة سيكون أكثر شدة عندما ينزل الملايين الى الشوارع خلال أيام قليلة. ويعني ذلك أن صيف منطقة اليورو سيكون أكثر حرارة بكل تأكيد. ثم إن عدم الاستقرار الاجتماعي يتضاعف عندما يهبط الإنفاق العام بما لا يقل عن 5 في المئة من الناتج المحلي الاجمالي مما هي الحال عندما ينمو.

ومن حسن الحظ أن الديمقراطيات تبرع في التكيف، وعندما يقبل رجال السياسة أن الشعب يتوقع الأفضل، وأن الأصوات تكمن في إرضائه يمكن للأمور والأوضاع أن تتغير.

back to top