نوستالجيا الزمن الناصري

نشر في 09-04-2013 | 00:01
آخر تحديث 09-04-2013 | 00:01
من ضمن الصور التي ينشرها بعض صفحات الفيسبوك (أنتيكا وغيرها) التي تهتم بثقافة النوستالجيا والحنين، مجموعة غُلف مجلات عربية وأجنبية تحمل صورة الزعيم المصري الراحل جمال عبدالناصر، تلك الغلف وما تحمله، تعيدنا إلى الوراء لقراءة الماضي وتجلياته، بل لقراءة شخصية عبد الناصر الأيقونية التي ما زالت تشغل الجمهور العربي إلى اليوم، حتى في ظل ما يسمى «الربيع العربي».
صور عبد الناصر على واجهة المجلات وإن كانت قليلة فهي تؤرخ لمراحل مهمة في التاريخ العربي الحديث، ومن بين الصور التي انتشرت أخيراً وتبادلها هواة الإنترنت صورة نادرة تظهر عبدالناصر واقفاً في لحظة خشوع وحزن أمام قبر حسن البنا مؤسس جماعة الإخوان المسلمين. الصور التي احتلت غلاف مجلة «التحرير» في عددها الصادر يوم 16 فبراير 1954، وكان ثمن المجلة آنذاك 20 مليماً، تظهر الزعيم وسط حشود الإخوان أثناء الاحتفال بذكرى البنا، ومن خلفه ظهر الصاغ حسين سالم، وحسن الباقوري. وتظهر صورة أخرى «البكباشي» وهو ينصت لكلمة عبدالرحمن البنا يتحدث في ذكرى شقيقه. يُذكر أن عبد الناصر انقلب على الإخوان بمجرد تمكنه من السلطة.

مجلة «المصور» المصرية كان لها دورها في نشر صور لعبدالناصر، وهي الأكثر توفراً على صفحات الفيسبوك، وصورها تتعلق بلقاءات عبد الناصر السياسية مع زعماء عرب وأجانب، وهي قلما لجأت إلى التفنن في تصميم أغلفتها كأن مهمتها كانت نقل الخبر فحسب، وربما يكون أبرز غلفها ذلك الذي عنونته «ابن الشعب»، عبارة راجت بقوة في زمن الشعبويات.

مصر ناصر

كان عبد الناصر أكثر رؤساء مصر الذين تكرر ظهورهم بانفراد على غلاف مجله «تايم» الأميركية رغم أنه كان أكثرهم عداء للولايات المتحدة. كانت المرة الأولى في 26 سبتمبر 1955، حمل الغلاف آنذاك صورة لـ{البكباشي» بزيه العسكري ومن خلفه نقوش فرعونية. ثم كانت أزمة قناة السويس وإعلان عبد الناصر عن تأميمها في يوليو 1956 سببين كافيين ليظهر الرجل، الذي بدأ يتحدى أميركا والغرب ومصالحهما مجدداً على غلاف المجلة الأميركية بعد أشهر من هذا التاريخ. في 27 أغسطس 1956، وضعت المجلة على غلافها رسماً لناصر كان فيه أكثر سعادة عما كان عليه في الغلاف السابق، وأرفق بعبارة «ناصر مصر» ووراءه مجدداً نقوش للفراعنة مع وضع بندقية حديثة في يد أحد الجنود المرسوم في النقوش. وظهر للمرة الثالثة على غلاف «تايم» بعد الوحدة التي وقعها مع سورية عام 1958 وعلى خلفيته هذه المرة صورة علم مصر الأخضر تزينه النجوم الثلاث ولم يحمل الغلاف سوى كلمة «ناصر».

وعندما ظهر عبد الناصر مجدداً على غلاف المجلة في مارس 1963، لم يكن مبتسماً هذه المرة ولكن اختارت له «تايم» صورة جانبية وظلله أبو الهول على المنوال نفسه، واكتفت بعنوان من كلمتين: «مصر ناصر».

كانت المرة الأهم، التي ظهر فيها عبد الناصر على غلاف التايم في 16 مايو 1969، وكان العدد يحمل مقابلة مع ناصر في ظل حرب الاستنزاف، التي قامت بها مصر ضد إسرائيل بعد هزيمة 1967. كان البورتريه مختلفاً هذه المرة فأظهر ملامح جامدة وعينين تحملان إصراراً كبيراً.

بعد مدة قصيرة، وضعت «التايم» صورة عبد الناصر على غلافها، لكنها هذه المرة لم تتحدث عنه بل كانت تتناول مستقبل العالم العربي بعده، ففي الأول من أكتوبر 1970، اليوم الثالث لوفاته في 28 سبتمبر، خرج ستة ملايين مصري يشيعون عبد الناصر، في مشهد لم تعرفه مصر سابقاً. وبحسب مجلة «تايم»، لم تعرف القاهرة مثل مشهد جنازة عبد الناصر في تاريخها، وإن المشيعين كانوا مثل نهر من الحزن وهم يهتفون «لم يمت جمال عبد الناصر.. كلنا جمال عبد الناصر». وراح العالم يراقب بذهول وهو لا يصدق كيف يحزن شعب بهذ القدر على قائد مات بعدما سبب له أعظم كارثة سياسية في تاريخه الحديث، حين انهزمت جيوش ثلاث دول عربية أمام إسرائيل، ورحل ولا تزال إسرائيل تقبع على ضفة القناة وقد احتلت سيناء كلها وقطاع غزة والضفة الغربية والقدس الشرقية ومرتفعات الجولان السورية، كيف ما زالت في قلوب هذا الشعب مشاعر الحب والتقدير لهذا القائد الذي سبب لهم كل هذا الخراب؟ سؤال ربما لا يفهمه الغرب حتى الآن.

«بوست»

إحدى الصور المميزة لعبدالناصر والتي شاهدناها من بين صور الأنتيكا، تلك التي رسمها الفنان الأميركي نورمان روكويل (1894 - 1978)، خصّيصاً لتُنشَر على غلاف مجلة «ساترداي إيفينينغ بوست»، بتاريخ 25 مايو عام 1963. هكذا كان مثقّفو الولايات المتحدة الأميركية يحتفون بشخص جمال عبد الناصر، في ذروة الفترة التي كانت بلادهم تناصبه العداء فيها سياسياً.

نورمان راكويل، الذي قال عنه عبد الناصر «رغم اختلافنا مع أميركا إلا أننا لن ننكر النباهة والنبوغ على فنانيها أمثال راكويل»، ينتمي إلى بقايا فن البورتريه الصحفي الجاد، كذلك نستطيع أن نصنف فنه على أنه جزء من فن الرسم التوضيحي الذي كان يصاحب معظم الكتب والمعارف. من هنا كانت المعادلة شديدة الاتزان في فن راكويل الذي كان مفعماً بالحيوية والإمتاع وكأنه جزء من مقطع قصصي أو روائي، بالتالي استمرت ريشته لخمسة وستين عاماً تغذي المطبوعات الأميركية سواء كانت صحفية أو غيرها.

back to top