أنظر إلى المتهمين اليوم في قضايا شراء ذمم الناخبين على أنهم "ضحايا" النظام وليسوا أفراداً فاسدين. هم "ضحايا" بمعنى أنهم شاهدوا طريق سوق الجمعة لشراء وبيع الذمم ممهداً وسالكاً، فلم يفعلوا غير أنهم سلكوه وساروا عليه، وتحدثوا مع أنفسهم مقتنعين أن حالهم كحال غيرهم (بفرض تأكُّد الاتهامات ضدهم بأحكام نهائية)، وأنهم لم يصنعوا غير ما صنعه غيرهم الذين سبقوهم والذين سيأتون من بعدهم، فهم لم يأتوا بجديد، ولم يضعوا عرفاً جديداً في تاريخ الدولة النفطي الريعي، فلماذا أضحت "جريمة" اليوم بحقهم، بينما كانت من الأمور المسكوت عنها و"باردة مبردة" حين ارتكبها الآخرون في مجالس سابقة وأمام عيون السلطة وبمباركتها، لا وبأكثر من المباركة، ولنقل بمشاركتها... ولماذا يتهمون اليوم؟ ولماذا ترفع الصحافة اعلام "فضائح" الرشا وصناديق شراء الذمم كأنها وجدت فانوس علاء الدين أو خاتم سليمان في قضيتهم الآن، بينما هناك قضايا فساد أكبر وأخطر، تمت "الصهينة" عنها وسكت عنها الكثيرون؟!
المتهمون اليوم هم، حالة عرضية، هم مجرد مظهر لطفح جلدي لمرض مستوطن في عظام الدولة تُغذى فيروساته من ممارسة مستقرة للسلطة الحاكمة، فهل وقفت زوبعة شراء الأصوات على زيد البائس وعبيد الساذج من الناس؟ أين الصحافة وأين عين الأمن الساهرة؟ وأين دولة القانون في شراء ليس الناخبين، بل شراء نواب برمتهم ومواقفهم السياسية في مجالس الأمة الشكلية بأغلى الأسعار، وبأثمان باهظة اقتُطعت من صناديق "خير" مجهولة وعبر ثقوب كبيرة في جلباب المال العام؟! هل نسينا الإيداعات المليونية في حسابات عدد من النواب؟ وكيف انتهت بغير مفارقة وضع النائب السابق فيصل مسلم بقفص الاتهام حين قام بواجبه الوطني بالكشف عن جرائم سلطة المؤلفة قلوبهم؟ وبماذا انتهت قبلها "فضائح هاليبرتون" المليارية ومن اتهم فيها ومن لم يتهم وإلى أين انتهت ملفاتها؟ وماذا عن طوارئ الكهرباء 2007؟ وكيف تم نزع مناقصاتها عن شركات معروفة، ثم تفصيلها على مقاس وكلاء شركات جديدة أصحابها يتحلقون في الدائرة الضيقة للسلطة؟! وهل نتذكر، مثلاً، وأكرر مثلاً، مرة ثانية وثالثة ورابعة وللمرة الألف قضية اللوحات الإعلانية لمرشحي مجلس 2008 (على ما أذكر فقد تاهت ذاكرتي بعدد المجالس التي عاشت أعماراً صغيرة وحلت)، وكيف خصص لها أكثر من خمسة ملايين دينار، بينما تم الكشف عن حقيقة مناقصة اللوحات الإرشادية لمجلس الأمة والمجلس البلدي. فيما بعد، بما لا يزيد على ٩٥ ألف دينار؟... وهل نتذكر كيف وقف أحد النواب (إياهم) وصرخ بأعلى صوت في ذلك الوقت: "اذيتونا على خمسة ملايين… شنو يعني خمسة ملايين"! ليتها كانت قضية واحدة بخمسة ملايين او بخمسين مليوناً... بل هي أكثر وأكثر دون سقف... ليست هي "لوحات إعلان" لمرشحي مجلس ما، بل هي لوحة كبيرة تختصر منهج الدولة بمثل "من صادها بالأول، عشى عياله"... وما أكثر الصيادين اليوم في زمننا الأغبر، بينما يقبع الخيرون أهل الضمير في أقفاص الاتهام ينتظرون محاكمات لا عد ولا حصر لها... هل عرفتم لماذا أشعر بالتعاطف مع المتهمين بجرائم الانتخابات وأقول إنهم ضحايا بيت العز الكويتي؟!
أخر كلام
ضحايا بيت العز
23-07-2013