على مدى الأسابيع القليلة الماضية، عاشت أميركا اللاتينية والولايات المتحدة ما قد يمكننا وصفه بأنه سلسلة من "لحظات الماريغوانا"، ونظراً للدعم المتنامي الذي تلقته الجهود الرامية إلى إنهاء "الحرب ضد المخدرات" التي اتسمت بالدموية والخلو من أي معنى ودامت عشرات السنين، فلا ينبغي لعلامات التقدم نحو إلغاء قوانين التجريم والتقنين أن تمر دون أن يشار إليها.
كانت اللحظة الأولى أثناء انعقاد الجمعية العامة لمنظمة الدول الأميركية هذا العام في أنتيغوا بغواتيمالا، في بداية يونيو. في ذلك الاجتماع قدم الأمين العام لمنظمة الدول الأميركية خوسيه ميغيل إنسولزا تقريراً بعنوان "مشكلة المخدرات في الأميركتين"، الذي أُعد بطلب من رؤساء دول المنطقة عندما التقوا في قمة الأميركتين في قرطاجنة بكولومبيا في العام الماضي.وقد تولى خبراء من كل بلدان منظمة الدول الأميركية تقريباً إعداد التقرير، الذي تألف من شقين: قسم تحليلي ممتاز، وفصل موجز ومزعج بعض الشيء مخصص لسيناريوهات المستقبل. وتمثل الوثيقة ذاتها حداً فاصلاً، لأنها توفر البيانات المطلوبة لإدارة مناقشة علمية وتجريبية للقضية التي كثيراً ما نوقشت في إطار أيديولوجي.ويحلل التقرير القضية بطريقة مقنعة: حسب الدول (دول منتجة، ودول العبور، والدول المستهلكة، أو كل هذا)؛ وحسب المواد (الماريغوانا، والكوكايين، والهيرويين، والعقاقير التركيبية)؛ وحسب الروابط بين هذه المواد غير المشروعة؛ وحسب الآثار التي تترتب باستهلاك، أو إنتاج، أو الاتجار في كل من هذه العقاقير، على المجتمعات، والمؤسسات، والعلاقات الدولية. ويشير التقرير صراحة إلى أن إلغاء القوانين المجرِّمة لاستهلاك الماريغوانا يُعَد خياراً شرعياً ومعقولاً وقابلاً للتنفيذ، ولكنه لا يوصي بتبني مثل هذه السياسة. وهذه ليست سوى خطوة أولية، ولكنها ضخمة.وكانت "لحظة الماريغوانا" الثانية في الولايات المتحدة، حيث دخلت ولايتا واشنطن وكولورادو المرحلة الأخيرة من إجازة استخدام الماريغوانا قانوناً بالكامل، في أعقاب استفتاءين شعبيين في شهر نوفمبر الماضي. وقد انتهت كل من الولايتين للتو من صياغة ونشر مسودة تمهيدية للقواعد والتنظيمات التي ستترجم نتائج الاستفتاء إلى قانون: كيفية منع الاستهلاك من القاصرين؛ وكيفية معاقبة المستهلكين الذين يقودون سياراتهم تحت تأثير المخدر؛ وأي نوع من الضرائب والمعدلات الضريبية هو الأنسب؛ وكيف سيكون التعامل مع غير المقيمين، بين قضايا أخرى معقدة ومثيرة للجدال. وباعتبار الولايتين من الولايات الرائدة في مجال القانون في الولايات المتحدة، فسيكون لزاماً على الولايتين حمل لواء الريادة عن طريق التجربة والخطأ.ولكن لعل الوجه الأكثر إثارة للاهتمام والفضول في هذه العملية هو عدم الاكتراث البليغ الذي يبديه الرئيس باراك أوباما للأمر برمته. فهو حتى الآن على الأقل يرفض التدخل في المناقشة حول ما إذا كان ينبغي للقانون الفدرالي أن يتغلب على تشريعات الولايات، بعد أن قال إنه لديه "مهمة أكبر يديرها".وتنبع "لحظة الماريغوانا" الثالثة من القرارات الأخيرة الصادرة عن ولايتي نيويورك وإلينوي- ثالث وخامس أكثر الولايات الأميركية اكتظاظاً بالسكان- بالمضي قدماً في إضفاء الشرعية القانونية على الاستخدامات الطبية للماريغوانا. ففي شهر مايو، أقر المجلس التشريعي في ولاية إلينوي مشروع قانون شديد التقييد يحكم استخدام الماريغوانا لأغراض علاجية، والذي لم يقرر حاكم الولاية بعد ما إذا كان قد يوقع عليه. وسرعان ما أقر المجلس التشريعي في ولاية نيويورك مشروع قانون صارماً بشأن استخدام الماريغوانا لأغراض طبية، وهو المشروع الذي لم يصوت عليه مجلس الشيوخ في الولاية بعد. وإذا قررت ولايتا نيويورك وإلينوي المضي قدما، فسوف تصبحان الولايتين التاسعة عشرة والعشرين بين الولايات الأميركية الخمسين، إلى جانب مقاطعة كولومبيا، التي تسمح باستخدام الماريغوانا لأغراض طبية.وأخيراً، في وقت سابق من هذا الشهر، قررت منظمة حقوق الإنسان الدولية غير الحكومية "هيومان رايتس ووتش" التي تتخذ من الولايات المتحدة مقراً لها أن تتبنى رسمياً موقفاً رافضاً لتجريم حيازة واستهلاك كل أنواع المخدرات وأن تدعو إلى تبني نهج مختلف جذرياً. والأمر الأكثر أهمية هو أن "هيومان رايتس ووتش" فعلت ذلك من منظور حقوق الإنسان، والواقع أن بيانها جدير بأن نورده هنا:"إن إخضاع الناس لعقوبات جنائية بسبب الاستخدام الشخصي للمخدرات، أو حيازة المخدرات للاستخدام الشخصي، يشكل انتهاكاً لاستقلالهم وحقهم في الخصوصية. والحق في الخصوصية معترف به على نطاق واسع بموجب القانون الدولي، بما في ذلك المعاهدة الدولية للحقوق المدنية والسياسية والمعاهدة الأميركية لحقوق الإنسان. ومن غير الممكن تبرير وضع قيود تحد من الاستقلال والخصوصية ما لم تلبِ هذه القيود المعايير الواجبة في أي تقييد للحقوق الأساسية، أو على وجه التحديد الغرض الشرعي، والتناسب، والضرورة، وعدم التمييز. ورغم أن حماية الصحة تشكل غرضاً شرعياً للحكومة، فإن تجريم استخدام المخدرات لحماية الناس من إلحاق الضرر بأنفسهم لا يلبي معيار الضرورة ولا معيار التناسب".لا شيء من هذه التطورات الأخيرة قد يؤدي، بمفرده، إلى إلغاء التجريم، فالمعاهدات الدولية لا تزال تقيد حيز الحركة المتاح للحكومات، ولا تزال حكومة الولايات المتحدة معارضة لأي تراجع عن الاستراتيجية العقابية التحريمية التي تبنتها منذ عام 1981. وحتى أكثر حكومات أميركا اللاتينية جرأة- بما في ذلك في كولومبيا، وأوروغواي، وغواتيمالا- عازفة عن التقدم أبعد من هذا، خصوصاً إذا ظلت معزولة.أما رؤساء الدول، مثل رئيسة البرازيل ديلما روسيف، ورئيس المكسيك إنريكي بينيا نييتو، ورئيسة الأرجنتين كريستينا فرنانديز دي كيرشنر، فإنهم متمسكون بمواقفهم التقليدية المحافظة التي تنطوي على مفارقة تاريخية، وهم غير راغبين في التزحزح عن مواقفهم إلى حد قد لا يترك لهم الرأي العام أي خيار آخر. ورغم هذا فإن هناك شيئاً ما مثيراً يجري في نصف الكرة الأرضية الغربي؛ ومع تكرار "لحظات الماريغوانا" بتواتر أكبر، فهل تكون العلامة الفارقة على الطريق بعيدة؟* خورخي كاستانيدا، وزير خارجية المكسيك السابق في الفترة 2000-2003، وأستاذ السياسة ودراسات أميركا اللاتينية ومنطقة الكاريبي في جامعة نيويورك."«بروجيكت سنديكيت» بالاتفاق مع «الجريدة»
مقالات
أربع لحظات ماريغوانا
24-06-2013