في لقاء صحافي أجرته وكالة الأنباء الفرنسية AFP مع الروائي سعود السنعوسي عقب حصوله على الجائزة مباشرة قال: «أتمنى ألا أدخل عالم الكبار (...) أريد أن أبقى في عالم الصغار لأنه جزء مني، فالجانب الطفولي في شخصيتي يجعلني أشعر بصدق الكلمة أكثر». يبحث سعود عن صدق الكلمة، والكتابة النابعة عن عاطفة، أو قضية، ولعلّ ذلك ما لفت القائمين على الجائزة، وحكامها في العمل الروائي، الإنساني بالدرجة الأولى. فـ»ساق البامبو» قضية إنسانية، وهنا يغلب الجانب الموضوعي، على الجوانب الإبداعية التقنية الأخرى، وعلى رأسها طبعا اللغة، التي هي عماد العمل الإبداعي، والسنعوسي كان واعيا لهذه الجوانب جميعها، ولربّما أراد لروايته أن تسير المسار هذا الذي اختطّه، عامداً، وليس محض صدفة، ففي المؤتمر الصحافي الذي عُقد بُعيد إعلان الجائزة سُئل عن اللغة، ومكانتها في «ساق البامبو»، فقال: «أحيانا كانت تشغلني اللغة فأضبط نفسي وقد تورّطت في مجازات وتشبيهات شعرية لكنني كنت أعاود النظر فيها لأنني اميل إلى البساطة».
إذا البساطة في اللغة، وتغليب جانب «الحكي» على العناصر الأخرى، أحد الأسباب التي أعلت من شأن الرواية، ورفعت أسهمها. العمل الأدبي عناصر متكاملة، وبرأيي أن الروائي الذكي هو الذي يوازن بين هذه العناصر، دون تغليب واضح أو فاحش لأحدها على الآخر. ولا ننس أن الرواية تنطلق من خصوصية المجتمع الخليجي، وبنيته الداخلية المعقّدة، والبسيطة في آن، فهنا في الخليج وحده نجد عشرات، بل مئات الآلاف من العمالة المهمّشة، التي جاءت باحثة عن لقمة عيشها، فيصعب عليها الاندماج في المجتمع، أو حتى العودة إلى الجذور، ومن المفارقة أن أعداد هؤلاء الوافدين يزيد في بعض دول الخليج حتى عن السكان الأساسيين، وهم مع ذلك مهمّشون، يبحثون عن ذواتهم، المفارقة تلك بكل ما تحمل من أبعاد، وملابسات هي الدافع الأول لسعود السنعوسي، في كتابة «ساق البامبو»، بل هو يتساءل، من نحن، وكيف ينظر الآخر إلينا؟... ليس الآخر الغربي العائد من بلاد صناعية متطوّرة، بل الآخر الشرقي، المغرق في بؤسه، وفقره، ذلك هو من يشغل بال السنعوسي، ويتعاطف معه، ومع قضيته.حين أُعلن الخبر لأول مرة في أبوظبي، كانت الفرحة مدويّة هنا في الكويت، وكأن الجميع كان ينتظر هذه اللحظة من مثقفين، وأدباء، بل وحتى سياسيين، وأناس عاديين يذهبون إلى وظائفهم كل صباح، الصحافة احتفت به كما لم يحدث من قبل لأي حدث ثقافي محليّ، وانهالت على هاتفه الاتصال من وكالات أنباء عربية وعالمية، بل إن فرحته الكبيرة هذه توّجت بأن تلقّى برقيات تهنئة من صاحب السمو أمير البلاد، وكذلك سمو ولي العهد، وسمو رئيس مجلس الوزراء.مبروك للسنعوسي، فقد عاد بالأضواء إلى وطنه، ونفض الغبار عن الثقافة المحلية، وجعلنا نشعر أن للأدب أيضا جماهيريته، فهو يفعل فعل السحر في القلوب، إن وُظّف بالطريقة السليمة، فليست الرياضة وحدها ما يستقطب الجماهير، أو يُرفع باسمها من شأن الأمم، وها هو الأدب، المحلي متمثلا في السنعوسي، جعل الكويت هذه البقعة الصغيرة من العالم في قلب الأضواء الثقافية والعربية.أدرك تماما أن المسؤولية على السنعوسي غدت كبيرة، وهناك من يتساءل منذ الآن عن عمله القادم، حتى قبل انبثاق الفكرة، أو اختمارها، أيا كان العمل القادم للسنعوسي سواء أروع من «ساق البامبو» أو أقل درجة منها، علينا أن نتريث قليلا، ونمنح هذا الشاب الفرصة لالتقاط الأنفاس، والخروج من زحمة الأضواء، والضجيج المجتمعي الذي حُوصر به، علينا أن نمنحه الفرصة، فنحن لا نعلم شيئا عن القادم، كل الذي نعلمه أن سعود قارئ نهم، وحريص على الارتقاء بكل ما يكتب.وهذا الطموح نحو تطوير الذات ليس شأن سعود وحده، بل إن هناك كثيرا من الروائيين الشباب والشابات باتوا يشعرون الآن بعبء المسؤولية تجاه ذواتهم، وما يقدّمونه للثقافة المحلية بعد أن اختطف أحد أقرانهم هذه الجائزة المُربكة، والمُشكلة، في آن.
توابل - ثقافات
السنعوسي... وعبء المسؤولية
05-05-2013