انتقلت القيادات السياسية اللبنانية من التعبير عن حالة القلق التي كانت تعتريها من استهداف الاستقرار الى الحديث عن حالة من الخوف الحقيقي تسود مراجع القرارات الرسمية والقيادية على الضلوع الأمني في لبنان في ضوء التفجير الذي استهدف الضاحية الجنوبية لبيروت بعد ظهر يوم الخميس الماضي ومعانيه وأبعاده وخلفياته وتداعياته.
وبمعزل عن السجالات السياسية والحزبية الداخلية في شأن المسؤولية عما وصلت اليه الأمور من أفعال وردات أفعال، فإن المراقبين يعتبرون أن الوقت لم يفت بعد تماما لوقف التدهور ومنع انزلاق الوضع اللبناني الى ما يشبه ما هو قائم في العراق منذ الاجتياح الأميركي قبل سنوات طويلة. وفي مقاربة لولوج الحلول المطلوبة، تنطلق جهات مراقبة على مسافة واحدة من قوى 14 آذار وقوى 8 آذار من التراكمات التي أدت الى وصول الأمور الى ما وصلت اليه في لبنان لتشبيه المسار اللبناني بالمسار العراقي، من خلال متابعة حضور "الدولة ومؤسساتها" ومرجعيتها في إدارة شؤون الأرض والناس، فتشير إلى أن الخطأ الاستراتيجي الذي ارتكبته الإدارة الأميركية في العراق وأدى في ما بعد الى غياب المرجعية الضابطة للأمن والاستقرار ونمو الإرهاب وعمليات التفجير المتنقلة هو حل مؤسسات الدولة العراقية السياسية والعسكرية والأمنية مباشرة بعد الاجتياح بحجة القضاء على منظومة الرئيس العراقي السابق صدام حسين. وهو ما أدى عمليا الى فلتان في نشوء مواقع القوى السياسية على مستوى الدولة وبالتالي الى بروز جهات عسكرية وأمنية متعددة لا يربط في ما بينها أي رابط لناحية القرار السياسي. حل مؤسسات الدولة وقد كانت الولايات المتحدة الاميركية أول من دفع ثمن قرارها بحل مؤسسات الدولة العراقية وإن كان الشعب العراقي لايزال حتى اليوم يعاني تداعيات القرار بعد الانسحاب العسكري الأميركي. وفي اعتقاد المراقبين الحياديين في لبنان فإن حزب الله الذي يحاول منذ سنوات أن يصادر القرار السياسي والعسكري للدولة اللبنانية كان حتى الأمس القريب يسجل نجاحات معينة في تلافي ما وقعت فيه الإدارة الأميركية في العراق على قاعدة أن الحزب كان يمسك بمفاصل الدولة ومؤسساتها من دون أن يحلها ويزيلها من الوجود. في حين أن الأشهر القليلة الماضية شهدت نتيجة لنوع من التغيير في موازين القوى على الساحة الداخلية بسبب تطورات الوضع في سورية ما يمكن القول إنه انزلاق من جانب حزب الله في الفخ الذي سبق أن وقعت فيه الولايات المتحدة الاميركية في العراق. إقصاء الخصوم فالحزب الذي أقصى في وقت سابق خصومه عن مواقع القرار السياسي في الدولة اللبنانية لم يعد منذ استقالة حكومة الرئيس نجيب ميقاتي قادرا على التفرد بالقرارات، وهو يواجه الوضع الجديد بإلغاء دور المؤسسات السياسية من خلال إفراغ مجلس الوزراء عبر منع تشكيل حكومة جديدة إلا بشروطه، وإلغاء الدور الحقيقي لمجلس النواب من خلال تعطيل الانتخابات النيابية لأنه لم يتمكن من فرض حصولها بشروطه الضامنة لفوزه فيها، وهو ما يؤدي بطبيعة الحال الى خلل في عمل المؤسسات الأمنية والعسكرية والقضائية والإدارية كافة. ويرى المراقبون الحياديون أن مثل هذه الحالة على مستوى المؤسسات الرسمية للدولة اللبنانية تعتبر البيئة الأكثر ملاءمة لعمل المنظمات والجهات الإرهابية والتخريبية بمعزل عن المسؤوليات والحجج والذرائع المستخدمة. وبالتالي فإن المسارعة الى فتح باب المعالجات تمر حكما بتعلم حزب الله من التجربة الأميركية في العراق، من خلال قرار جريء يتخذه الحزب بوقف تدمير مؤسسات الدولة اللبنانية وإضعافها ما لم يكن قادرا على السيطرة عليها والإمساك بقراراتها، وإعادة الاعتبار الى هذه المؤسسات، وبإقرار الحزب عمليا بأنه لا يمكن من خلال مؤسساته الأمنية والعسكرية والسياسية والاقتصادية أن يكون البديل عن الدولة اللبنانية أيا تكن الظروف والأسباب، وبأن ما يمكن أن يعتبره الحزب "خسارة" في تنازله للدولة اللبنانية عن مكاسب سياسية وعسكرية وأمنية واقتصادية سوف يبقى أقل بكثير من الخسائر التي يمكن أن تصيب الحزب خصوصا ولبنان عموما في حال بقيت الأمور على ما هي عليه اليوم من مسار يقضي تدريجيا على النظام السياسي ومؤسسات الحكم في لبنان.
دوليات
مواجهة التفجيرات في لبنان تتطلب من «حزب الله» الاتعاظ من خطأ الأميركيين بإلغاء مؤسسات العراق
17-08-2013