فجر يوم جديد: «تتح» فيلسوف أم معتوه؟

نشر في 24-05-2013
آخر تحديث 24-05-2013 | 00:01
 مجدي الطيب بذل المخرج الشاب سامح عبد العزيز قصارى جهده لتغيير جلد محمد سعد، الذي أدمن تقمص الشخصيات المسخ، لكنه في ما يبدو لم يملك سوى أن يُجاريه في تقديم {تتح}، الذي يُكرس في شكله وجوهره {حالة استثنائية} وليس {ظاهرة}، ويحملنا للظن أنه تنويعة على شخصياته السابقة مثل: {اللمبي،عوكل، بوشكاش، كركر، كتكوت، وبوحه}، وأننا بصدد فيلم، على عكس كل ما أشيع في الفترة القليلة الماضية، صُنع من أجل محمد سعد، وحسب المواصفات التي ينشدها في جميع أفلامه. فالشخصيات الدرامية من حوله ما زالت تعاني تهميشاً كبيراً وإصراراً على إضعافها لحساب {النجم الأوحد}، بل إن السيناريو يٌسقط بعضها من الحسبان، في مشاهد كثيرة، قبل أن يتذكرها ثانية في غياب تام للمنطق وعدم اعتراف بالضرورة الدرامية!

لا ننكر أن ثمة خطاً تصاعدياً لدراما فيلم {تتح}، وهو ما لم يكن متوافراً في أفلام محمد سعد السابقة، لكن بقي الإيقاع متأرجحاً بين التماسك والترهل، وعلت نبرة الادعاء والافتعال والخطاب السياسي الزاعق، كما في الحديث عن تداول السلطة وحقوق المواطنة والحرية والديمقراطية والانفتاح على ثقافة الآخر، والسخرية من الحركات الناشطة مثل: {شايفينكو}، والنقد الاجتماعي المجاني، كما في التنديد بظاهرة زواج القاصرات، والفراعنة الذين لم نجن منهم سوى لعنتهم؛ ومصر التي تحولت إلى {بلد المليون رغيف}، والشرطة العاجزة، كما في مشهد لواء الشرطة الذي لا يملك خطة لاقتحام {المول}، وتحرير الرهائن، وعسكري المرور الذي يتابع محاولة اختطاف البطل في إشارة المرور من دون أن يُحرك ساكناً، فضلاً عن التندر ببرامج {الهمسات الليلية} التي تقف عند التفاصيل التافهة وتسعى إلى دغدغة الغرائز. فالمراهقة والعنترية وادعاء الثورية سلبيات تجد لنفسها مكاناً في {تتح}، بفضل السيناريو السيئ والرؤية التقليدية لكاتبي السيناريو سامح سر الختم ومحمد نبوي؛ فلا يمكن أن تنحي عن ذاكرتك وأنت تتابع الصدام بين {تتح} و{الجزار} ذلك المشهد الشهير بين شكري سرحان وعدلي كاسب في فيلم {السفيرة عزيزة} (1961)، ولا يمكن لمتابع جيد للسينما الأميركية أن يتجاهل تورط الكاتبين في السطو على مشاهد من فيلم P (2009) Paul Blart: Mall Cop إخراج ستيف كار وبطولة كيفين جيمس، تحديداً مشاهد المجمع التجاري الذي تعرض بنك في داخله للسرقة أثناء انشغال البطل بلعب {الفيديو غيم}، قبل أن ينجح في مشاهد هزلية للغاية، وبمعاونة مدفع رشاش من البلاستيك ومطفأة حريق، في تطهير البنك وإحباط جريمة السرقة.

ولا يكتفي الكاتبان بذلك بل يلجآن إلى ملء الفراغات الكثيرة في السيناريو بعدد غير قليل من {الاسكتشات}، يظهر في إحداها سمير غانم باسمه وصفته، لينعي حال النجوم الذين {أكلهم الفن لحماً ورماهم عظماً}، وفي آخر يؤكد الفيلم أننا نعيش {زمن المطربة الشعبية بوسي}، وفي اسكتش ثالث يرصد الفيلم {الجزار} غليظ القلب الذي استحل المال الحرام، واعتاد إقامة الليالي الحمراء، لكنه يحرص على الوضوء والصلاة، ما أهله إلى أن يُصبح {إمام المسجد}، بينما يُلقي {تتح} خطبة عنترية عن {تجار الأعراض}، الذين يزوجون الفتيات القاصرات، وفي موقف فج ومبتذل يعكس ضحالة وقلة حيلة الكاتبين، يتم الإيحاء بأن الجار (سامي مغاوري) مثلي الجنس يمارس الشذوذ مع طلبة كلية السياحة والفنادق، قبل أن يتحول إلى محور للأحداث، وفي تكريس صارخ لقلة الحيلة يبرر السيناريو تحرش ابنة الجزار (مروى) بالبطل بأنها تتمنى أن تكون راقصة، وزواجها من {تتح} العبيط سيحقق رغبتها. فالشخصيات كلها، والنسائية خصوصاً، لا تُضيف إلى الأحداث، بل تتحول إلى عبء يُثقل كاهل الإيقاع (مونتاج أحمد شحم) وهي السقطة التي حاول كاتبا السيناريو التخلص منها عبر شخصية {أميرة} (دوللي شاهين) التي يبحث عنها {تتح}، لكن الأمر تحول إلى مطاردة بين {الأخيار} و{الأشرار} انحرفت بمسار الأحداث، وقادت الفيلم إلى منعطف سحيق أضر بمصداقيته وواقعيته.

استمات كاتبا السيناريو في التأكيد على أن {{تتح} رجل {طيب وعلى نياته، وليس عبيطاً}، لكنهما رسما الشخصية بصورة لا تملك معها سوى أن تقتنع بأنه معتوه أو متخلف؛ فمن يتنازل عن شقته نظير كيلو لحم ضان وغرفة فوق السطوح؟! وكيف لرجل بهذه المواصفات الذهنية والشكلية أن يخوض معركة شرسة مع عصابة أقرب إلى عصابات المافيا، وينتصر عليها ويسحقها؟ وكيف لبائع صحف تعرض للظلم والتهميش أن يتحلى بقناعة الفلاسفة فيرى أننا {ضيوف على الدنيا، ولسنا مُخلدين فيها، وعلينا أن نتحمل ما نتعرض له من ظلم}!

الأمر المؤكد أن محمد سعد يستنبط شخصياته من الواقع، لكنه يُبالغ في تقمصها فيُجردها من واقعيتها، ويتركها مُعلقة في الهواء فلا هي واقعية لتُصدقها، ولا هي خيالية لتُعجب بمن ابتكرها!

back to top