خيارات الولايات المتحدة على ضفاف النيل

نشر في 27-08-2013
آخر تحديث 27-08-2013 | 00:01
لا شك أن الإدارة الأميركية محقة في إدانتها العنف المفرط من الجيش المصري والحض على المصالحة، ولكن لنكن واقعيين ولا نخدع أنفسنا بالاعتقاد أن المصالحة ممكنة قريباً... فقد كسر السيسي كل الحواجز عندما نفذ الانقلاب.
 واشنطن بوست تُعتبر مصر اليوم لعبة ربح وخسارة، صحيح أننا رغبنا في بديل ديمقراطي، لكنه غير متوافر للأسف، وأمامنا خياران لا ثالث لهما: إما أن تحكم جماعة "الإخوان المسلمين" البلد وإما الجيش.

ربما ما كان يجب أن تسير الأمور على هذا النحو، وربما كان على الجيش أن ينتظر ثلاث سنوات لإزالة الرئيس محمد مرسي، الذي يعاني تراجعاً حاداً في شعبيته، من منصبه من خلال الانتخابات، لكن الفريق أول عبدالفتاح السيسي أدرك، على ما يبدو، أنه لا يملك ثلاث سنوات، وأنه بحلول تلك الفترة لن تُعقَد أي انتخابات، كما حدث في غزة حيث أسس الجناح الفلسطيني لـ"الإخوان المسلمين"، حركة "حماس" التي فازت في الانتخابات عام 2006، حكماً مستبداً يتولاه رجل واحد انتُخب مرة واحدة.

ولكن كيف يلزم أن تتصرف الولايات المتحدة حيال وضع مماثل؟ يشمل جوابي أخذ نقطتين في الاعتبار: الأولى أخلاقية، أي النتيجة التي تقدِّم مستقبلاً أفضل لمصر، والثانية استراتيجية، أي النتيجة التي تقدم مستقبلاً أفضل لمصالح الولايات المتحدة والعالم الحر.

بالنسبة إلى مستقبل مصر، لم يقدم "الإخوان المسلمون" للمصريين غير عدم الكفاءة وعدم التسامح والحكم الذي يزداد استبداداً، ففي غضون سنة، بدّد مرسي المكانة البارزة التي بنتها جماعة الإخوان المسلمين طوال 85 سنة بتأديتها دور المعارضة (دور يمكن للسياسي فيه أن يعد الشعب بالمستحيل). فقد لاحق مرسي الصحافيين والناشطين، ومنح نفسه بموجب مرسوم صلاحيات لا حدود لها، ووضع دستوراً إسلامياً طائفياً، وحاول السيطرة على أدوات سلطة الدولة بطريقة منظمة، وكما لو أن كل ذلك ليس كافياً، ظهرت جماعة "الإخوان المسلمين" بعد الإطاحة بها بمظهر الحزب الذي يحرق الكنائس عندما يغضب.

لا يُعتبر الجيش العنيف والدموي بديلاً أفضل، لكن الأهم يبقى رأي الشعب المصري، فتُعتبر التظاهرات المناهضة لمرسي الأكبر في تاريخ مصر المكتوب، وقد اشتعل المتظاهرون غضباً بسبب خيانة مرسي ثورةً كان يُفترض أن تكون بداية جديدة لكرامة الفرد والديمقراطية، فطالبوا علناً بالإطاحة به، ويبدو أن الأغلبية ترحب بالقمع العسكري الذي يهدف إلى القضاء على الخطر الإسلامي، لأن هذا أملها الوحيد في تنظيم عملية انتقال ديمقراطية، وإن بدا مثيرًا للجدل.

لكن أياً من هذين الخيارين يساهم في حماية المصالح الاستراتيجية الأميركية؟ تطول لائحة هذه المصالح: (1) تأمين قناة السويس، (2) علاقات ودية مع الولايات المتحدة، (3) مواصلة التحالف مع الأردن ودول الخليج الموالية للولايات المتحدة، (4) الحفاظ على معاهدة السلام الإسرائيلية-المصرية، و(5) التعاون مع الولايات المتحدة بشأن الإرهاب، ما يشمل بدوره (6) عزل قطاع غزة الذي يسيطر عليه "الإخوان المسلمون".

تبدو كل هذه المصالح مهددة مع حكم "الإخوان المسلمين".

إذن، أي سياسة يجب أن تتبنى واشنطن؟ لا شك أن الإدارة محقة في إدانتها العنف المفرط والحض على المصالحة، ولكن لنكن واقعيين ولا نخدع أنفسنا بالاعتقاد أن هذه المصالحة ممكنة في المستقبل القريب، فقد كسر السيسي كل الحواجز عندما نفذ الانقلاب، وما عاد أمامه خيار إلا النجاح أو الفشل؛ لذلك يعد الترويج لحلٍ وسط بمنزلة دعوة لحرب أهلية لا نهاية لها.

نتيجة لذلك، يكون الحل الأفضل انتصار الجيش وسعيه بكل طيب خاطر في مرحلة لاحقة إلى إعادة دمج العناصر الأكثر اعتدالاً ممن تبقى من جماعة "الإخوان المسلمين".

ولكن يجب في الوقت الراهن ألا نقطع المساعدات، العسكرية منها والمدنية، كما يطالب كثيرون من أعضاء الكونغرس، فلن يكون لهذه الخطوة أي تأثير، ولن تمنحنا النفوذ أو تكسبنا أصدقاء في أي من جانبي الصراع المصري. عوضاً عن ذلك، ينبغي أن نحض المصريين على تشكيل حكومة تكنوقراط جديدة بسرعة وتعزيز سلطتها في الحال، فيما يتراجع الجنود تدريجاً إلى ثكناتهم.

لا يجيد الجنرالات الحكم؛ لذلك من الأفضل ترك زمام السلطة بين يدَي الشعب، الذي يمكنه النجاح في هذه المهمة، أوكلوا إليه مهمة إعادة إحياء الاقتصاد وإرساء أسس عملية انتقال ديمقراطية، والأهم من ذلك وضع دستور جديد لحماية حقوق المرأة والأقليات.

يجب أن تكون الانتخابات الخطوة الأخيرة على هذا الدرب الطويل نحو الديمقراطية: أولاً الانتخابات البلدية ثم الإقليمية وأخيراً الوطنية، وكما يظهر من خلال عملية نشر الديمقراطية في أعقاب الحرب العالمية الثانية، كلما تأخرت هذه الخطوة، كان هذا أفضل.

سبق أن شهدنا وضعاً مماثلاً، فخلال نصف قرن من الحرب الباردة، واجهنا مراراً المعضلة ذاتها: اختيار أهون الشرّين بين التوتاليتارية (الشيوعية آنذاك) والحكم المستبد (العسكري عادة).

اعتدنا في الماضي دعم الجيوش المختلفة لقمع الشيوعيين، ولطالما اعتُبرت هذه السياسة خيانة خبيثة ومنافية للأخلاق لتمسكنا المزعوم بالحرية، ولكن تبيّن في النهاية أن هذا الدرب الأفضل إلى الحرية، وإن كان محفوفاً بالمشاكل والاضطرابات.

أدت أنظمة الحكم المستبدة، التي دعمناها (في كوريا الجنوبية، وتايوان، والفلبين، وشيلي، والبرازيل، فضلاً عن إسبانيا والبرتغال اللتين بقيتا خاضعتين للحكم الفاشي حتى منتصف سبعينيات القرن الماضي)، إلى نتائج ديمقراطية في الوقت المناسب. على سبيل المثال، رضخ الجنرال أوغستو بينوشيه، بعد 16 سنة من الحكم المستبد، للضغط الأميركي وسمح بإجراء انتخابات حرة، وأفضت خسارته الانتخابات إلى حقبة من الديمقراطية المزدهرة في تشيلي. فهل سمح الشيوعيون والإسلاميون يوماً بأمر مماثل في الدول التي يحكمونها؟

بالعودة إلى مصر، بدل أن نعبر عن مشاعرنا، علينا أن نفكّر ملياً: ما الأفضل لمصر، لنا، ولاحتمال التوصل إلى مستقبل ديمقراطي في النهاية؟ نلاحظ أن هذا الاحتمال غير وارد مع حكم "الإخوان المسلمين"، إلا أنه يصبح ضئيلاً مع الجنرالات. وهكذا، يكون حكم الجنرالات أفضل من حكم "الإخوان المسلمين".

* تشارلز كراوثامر | Charles Krauthammer

back to top