في يوم عمل التقيت دكتورا من الأردن قدمني الزملاء اليه بأنني من الكويت، وفي نفس اللقاء وأمام الزملاء قال الدكتور "أفضل ما قام به صدام حسين هو احتلال الكويت" نظر الزملاء إلي بخجل وكأنهم أخطأوا بتقديم الرجل إلي. حاولت الحفاظ على هدوئي وسألته "لماذا برأيك؟" فقال "لأنه أراد لنا وحدة عربية". قلت له: أحترم رأيك جدا لأنك ستقول نفس الكلام لو أن صدام احتل الأردن أولا فجأة تغير لون الرجل ونظر الى من حوله وقال "لا طبعا كنا سنموت جميعا دفاعا عن الأردن ولا يحتلها"، ابتسمت بوجهه وقلت: اذن أنت فقط تقف مع احتلال الكويت دون المبدأ الذي تحدثت عنه ولأن مشكلتك مع الكويت شخصية كما يبدو أفضل أن أوقف النقاش عند هذا الحد.

Ad

تذكرت هذا الحوار وأنا أقرأ لقاء لأدونيس حول التغيير في سورية. هو باختصار شديد يرغب بالتغيير بعيدا عن سورية ليتأكد من نتائج هذا التغيير ويطمئن اليها قبل أن يفكر في طرح رأي نهائي في هذا التغيير في سورية. وحالته هنا لا تختلف عن حالة الزميل الأردني الذي يرغب بوحدة عربية دون أن تمس النار ملابسه وأن يقفز للجنة الجاهزة متى قرر ذلك.

قابلت أدونيس في الكويت في أمسية لا تنسى قرأ خلالها قصيدة "هذا هو اسمي" ولم أستمع لشاعر يقرأ بذلك الجمال وتلك الفتنة كما هو. حتى أن أصوات بعض الشباب التي كانت تقرأ القرآن في الأمسية لازعاجه فشلت تماما في أن يرتج عليه، بل بالعكس كان دوي صوته أعلى بكثير من همهماتهم. وفي الأمسية التالية هاجم الشباب المتدين أدونيس الذي كان يقدمه عبدالرحمن النجار في أمسية حوارية معه حتى وصل الاشتباك اليدوي والاعتداء على النجار. قابلت أدونيس في اليوم الثالث في حوار صحافي وأعجبت كثيرا بطرحه حول الحرية الفردية وحرية الفكر والبحث العلمي ورغبته الصادقة في رؤية العالم العربي على مشارف القرن القادم في ذلك الوقت. أدونيس يرى اليوم أن التغيير الذي يطالب به دائما في العالم العربي يجب أن يأتي حسب المقاس الذي قرره هو، وهو بالتأكيد المقاس الذي أتمناه أنا وكثيرون غيري. يريد أدونيس ثورة تنتج حرية بلا شائبة وديمقراطية غير متعثرة وعدالة اجتماعية في البيان الأول للثورة وتطبق في اليوم التالي للبيان الأول. ويريد أكثر أن يبدأ هذا النموذج في كثير من البلدان العربية وتعاني من مخاضه وآلامه ويأتي على طبق من ذهب لسورية فقط لأنها بلده.

أدونيس في قراءة بين سطور تصريحاته يفضل بقاء الطاغية على تغيير قادم لا يرى أنه يمثله ولا يرى أن الخطوة التى لا بد منها هي الخروج من سيطرة نظام شمولي أوصل الناس الى الخوف من الحلم بصوت عال. هو يريد ديمقراطية الغرب اليوم ويريدها حالا كما هي. وما لا يريد أدونيس الالتفات اليه هو أن الديمقراطية في الغرب أوصلت هتلر الى السلطة وعاشت أميركا عنصرية ضد شعبها الأسود سواء القادم من افريقيا أوالمولود للرجل الأبيض وقتلت سكان الأرض الأصليين وهي تمارس ديمقراطيتها وتنتخب رئيسها وتعيش ثورتها الصناعية.

أدونيس وكثيرون من الأدباء والمفكرين والشعراء يرون البقاء تحت رحمة الأنظمة الفاشية أفضل كثيرا من تغيير لا يعرفون مصيرة. ويتوهمون أن الشعب الذي يستطيع اقصاء أقسى هذه الأنظمية كالقذافي والأسد وبن علي سيجد صعوبة في الوصول الى منتهى الحرية وهي بالتأكيد قراءة قاصرة لا يحكمها منطق سوى المنطق العربي في الخوف من التغيير.