يرصد «نحيب اللوز» حياة المجتمع الجزائري، عاداته، أحلامه وآماله ومعاناته، وتبنى قصصه على ثنائيات متناقضة ومتعددة من بينها: التقاء الحضارة العربية الإسلامية بالحضارة الغربية، البؤس والسعادة... وتتباين النصوص بجمالياتها ومضمونها الفكري، مثل «النقيب» و{جحيمية» لتجسد إشكالية الانفلات إلى جاذبية فضاء حضاري مختلف، وشغف الكاتبة بالمغامرة والارتحال، واكتشاف ينابيع الدهشة، وبذخ الطبيعة البكر التي تعانق الأساطير والحكايات الغرائبية.

Ad

يرسم نص «ياسمينة» قصة حب تتمحور حول التقاء الغرب بشخصية الضابط جاك بالشرق الممثل بشخصية ياسمينة، ويبيّن نقاط اللقاء والاختلاف في نمط الحياة والتفكير بين الحضارتين والصراع القائم بينهما.

يزخر نص «الغريمة» بومضات توحي بالحنين إلى فضاء بعيد، حيث «المتشرد» يتذكر أيامه وقلبه يعتصر وجداً في منفاه، «كانت صورة الحبيبة باهتة، بعيداً هناك لا تكاد تنجلي، حينئذ أدرك المتشرد الذي لم يزل قلبه ينبض بحبها أنه سيرحل في الفجر، وانقبض قلبه».

وتتابع النصوص بغموضها الشفيف، كما في «نحيب اللوز»، ويفيض السرد بشاعرية متوهجة ونداءات جاذبة إلى سحر المكان، «وللحظة تتوهج المدينة القديمة الضاربة، وكأن لهباً في الأعماق أشعلها بينما تظل الحدائق، سرير الوادي، والممرات الضيقة في الظل غامضة».

لغز إيزابيل

تعد هوية إيزابيل إبرهاردت لغزاً محيراً، كذلك حياتها المترعة بالمواقف الغامضة والأسرار التي لم يجب عنها المهتمون بسيرتها، فهويتها غير واضحة، ويسودها الغموض.

تقول إيزابيل عن نفسها: «لست سوى شخص غريب الأطوار، حالمة تريد أن تعيش بعيداً عن العالم، أن تعيش الحياة الطليقة والمتنقلة، لتحاول بعد ذلك أن تقول ما رأت، وربما أن تنقل بعض الارتعاشات الكئيبة المبهمة والآسرة التي تشعر بها أمام الروائع الحزينة للصحراء».

ولدت إيزابيل في سويسرا لأم أرستقراطية ألمانية وأب فيلسوف يتقن لغات عدة، فعلم ابنته التاريخ والفلسفة والجغرافيا والكيمياء وقليلا من الطب، ودرّبها على كل مناحي الحياة كدروس الفروسية، ما ساعدها على اختراق الصحراء ورمالها ودروبها الوعرة وطبيعتها القاسية.

وتجسدت أحلام إيزابيل في المغامرة والسفر في البداية، من خلال تبادل الرسائل بينها وبين أخيها المستقرّ في الجزائر وكان يصف لها يومياته خلالها.

نشرت أولى قصصها «رؤية غسقية» في المجلة الباريسية الجديدة سنة 1895، وبعد عامين سافرت مع والدتها إلى الجزائر، وأقامتا في مدينة عنابة، وقيل إنهما اعتنقتا الإسلام. لم تغير إيزابيل من نمط حياتها، فكانت ترتدي أزياء الرجال وتنام في المقاهي وتخالط البسطاء، سابرة أغوارهم ومستكشفة طرق عيشهم وتفكيرهم.

توغلت إيزابيل في الصحراء الشاسعة، وكتبت عن رحلاتها بانتظام في إصدارت مختلفة، إلا أنها رحلت عن الدنيا بطريقة مأوساوية في «عين الصفراء» إثر تغير مفاجئ في الأحوال الجوية، ولم تستطع النجاة من تلك الكارثة الطبيعية، فوجدت ميتة تحت أنقاض منزلها سنة 1904، ودفنت بمقبرة سيدي بوجمعة.

أدب الرحلات

 

يرى النقاد أن ما قدمته إيزابيل من إبداع قصصي وأدب الرحلات، يضعها في مرتبة متقدمة بين كاتبات لاحقات مثل سيمون دي بوفوار وناتالي ساروت. تميزت كتاباتها بلغة حداثية مغامرة متجاوزة كلاسيكية الأدب في القرن التاسع عشر.

 وكان لها السبق الإبداعي في معالجة العلاقة الشائكة بين المستعمر وصاحب الأرض في إفريقيا، وذلك قبل سنوات طويلة من كتابة النيجيري بول سوينكا، الفائز بنوبل، روايته «الجوهرة والأسد» التي تتناول الصراع بين الإفريقي والأوروبي.

تركت إيزابيل إبرهاردت كتابات منشورة في الجرائد والمجلات، وتعتبر أعمالها وثائق شاهدة على فترة تاريخية مهمة، ومزجاً بين أدب الرحلات وفنون القصص، من بينها: «كتابات على الرمل» ومخطوطة «الجنوب الوهراني».