أدى انتخاب حسن روحاني كرئيس إيران المقبل إلى نوعَين من ردود الفعل بين المسؤولين الأميركيين ومحللي الشأن الإيراني، فقد اعتبر البعض انتصار روحاني نهضة المصلحين، لذلك يحضون إدارة أوباما على بذلك الجهود "لتقويته"، تماماً كما فعلت إدارة كلينتون بعد انتخاب محمد خاتمي عام 1997، لكن آخرين يرون في هذه الخطوة خدعة متقنة قام بها القائد الأعلى في إيران، محاولاً التخفيف من ضغط العقوبات بتقديم وجه مبتسم إلى العالم، فضلاً عن تمرير الوقت بالأساليب الديمقراطية، مواصلاً في الوقت عينه النشاط النووي الإيراني في الكواليس.

Ad

لكن التحدي الذي تواجهه إدارة أوباما اليوم يكمن في عجزها عن معرفة أي من هذين الرأيين هو الصائب، فلا يمكنها أن تستبعد احتمال أن يكون الضغط الدولي على إيران قد أدى أخيراً إلى التغيير الذي كانت تنتظره. إلا أنها لا تستطيع أيضاً أن تخاطر بالتخفيف من الضغوط التي تكبّدت العناء لتراكمها، مستندة إلى أمل أو حتى تخمينات. بخلاف الرئيس المنتهية ولايته محمود أحمدي نجاد، الذي كان غير معروف نسبياً في الغرب حين انتُخب رئيساً للمرة الأولى، تعرف الولايات المتحدة وحلفاؤها روحاني جيداً، فنعلم أن روحاني، من خلال تصريحاته ومواقفه السابقة، مع أنه بعيد كل البعد عن أن يكون مصلحاً، يُعتبر دخيلاً على النظام ولعب دوراً بارزاً في تعزيز برنامج إيران النووي ونشاطاتها الإقليمية، حتى قمعها الداخلي. صحيح أنه أعرب عن وجه عملي وميل إلى الدبلوماسية، إلا أنه خدم النظام ولم يسعَ إلى تغييره. على سبيل المثال، تحدث عن نجاحه في استخدام الدبلوماسية بهدف تمرير الوقت وإتاحة المجال لإيران كي تطوّر برنامج أجهزة الطرد المركزي خلال عهده كمفاوض نووي.

رغم ذلك، لا يمكننا أن ننسى أن روحاني أخذ وضع إيران الاقتصادي المزري في الاعتبار واستخلص أن التغيير ضروري. وإن كان صدقاً في كلامه هذا، ينشأ سؤال مهم: هل يُمنح الصلاحيات الكافية للتغيير؟ بكلمات أخرى، هل استنتج القائد الأعلى آية الله علي خامنئي، الذي يتخذ كل القرارات الحاسمة بشأن برنامج إيران النووي ومسائل أخرى تهمّ الولايات المتحدة، هو بدوره أن التغيير ضروري وأوكل إلى روحاني هذه المهمة؟

إذا كانت هذه الحال، فسنشهد إشارة مبكرة على ذلك. على سبيل المثال، إن سُمح لروحاني باستبدال فريق التفاوض النووي الإيراني (الذي يرأسه خصمه الرئاسي اللدود، سعيد جليلي)، وإطلاق سراح قائدَي المعارض الموضوعين تحت الإقامة الجبرية، واتخاذ قرارات بشأن سياسة إيران في مسائل استراتيجية، مثل سورية، فقد تشكل كل هذه إشارة إلى أنه أُعطي صلاحيات أوسع من أسلافه، وإلا فسيغرق روحاني في صراعات على السلطة داخل نخب طهران المتعددة والمتداخلة أو (وهذا أسوأ) يكون فوزه مجرد وسيلة لإلهاء خصوم النظام في الداخل والخارج.

قد لا تتمتع إدارة أوباما، عند تحديد رد فعلها، بفرصة الانتظار لرؤية التفاعلات التي ستحدث داخل النظام الإيراني، فمن الضروري تحديد السياسة الأميركية اليوم، سياسة لا تكون رافضةً بدون أي داعٍ أو متعاونةً قبل الأوان.

نتيجة لذلك، يجب أن تركّز إدارة أوباما على أعمال إيران، لا على الشخصيات الإيرانية، فإلى أن تصبح إيران مستعدة للقبول بالمطالب الدولية بشأن برنامجها النووي ودعمها الإرهاب وغيرهما من النشاطات، هذا إن قبلت بها في المقام الأول، يجب ألا تتبدل سياسة الولايات المتحدة الرئيسة، حتى لو حاولت الإدارة التقرب من روحاني وسعت وراء فرص دبلوماسية جديدة. إذن، إلى أن تلين إيران، من الضروري أن تزداد السياسة الأميركية حزماً، خصوصاً كرد فعل على تورط إيران الكبير في سورية، تورط لم تحرك الولايات المتحدة ساكناً لتردعه. إن كان الرئيس المنتخَب روحاني يعتقد حقاً أن سياسات إيران يجب أن تتبدل، فلعل حجته الأقوى أن هذه السياسات تكبد إيران كلفة باهظة تهدد ازدهارها واستقرارها. ويبقى إبراز ثمن هذه الاستراتيجية الطريقة الفضلى لتقوية مَن يأملون في إيران إحداث تغيير في استراتيجية النظام، ولا شك أن تخفيف الضغط عن النظام كرد فعل تجاه الانتخابات سيؤدي إلى نتائج عكسية، لأنه يوحي لخامنئي أنه من الممكن الحدّ من الضغط بدون تكبدّ كلفة كبيرة أو إجراء تغيير استراتيجي حقيقي.

أوضح الناخبون الإيرانيون بانتخابهم روحاني أنهم يريدون التغيير في بلدهم، وهكذا يكونون على وفاق مع الولايات المتحدة وحلفائها. فنحن نريد أيضاً رؤية التغيير في إيران بتبنيها سياسة أقل عدائية وميلاً للمواجهة. لكننا نختلف عنهم في أنهم بعد الانتخابات لا يستطيعون مساءلة نظامهم، لأن ممارسة الديمقراطية في إيران تقتصر على التصويت مرة كل أربع سنوات، وحتى تلك العملية تكون محدودة، وفي المقابل، تستطيع واشنطن مساءلة النظام الإيراني، مطالبةً ألا يقتصر تغيير روحاني وخامنئي على خطاب إيران، بل أن يشمل أعمالها أيضاً.

* مايكل سينغ | Michael Singh ، مدير معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى.